◄ الأمريكيون إذا دخلوا على حركة للإصلاح أفسدوها، وجعلوا نبلاء رموزها أذلة بين شعوبهم وفى ضمائر الناس.
◄ المصريون يتشككون فى النوايا الأمريكية، ويضعون نصب أعينهم المساحة الواسعة من المصالح الأمريكية التى تحكم مسار التأييد أو التنديد بالحركات المعارضة فى العالم العربى.
الأمريكيون إذا دخلوا على حركة للإصلاح أفسدوها، وجعلوا نبلاء رموزها أذلة بين شعوبهم وفى ضمائر الناس، والأمريكيون إذا قفزوا إلى حركة للتغيير بدلوا مسارها حسب أهوائهم، وجرفوا قاربها حسب مصالحهم دون أن يرقبوا فى قادات التغيير (كرامة ولا ذمة) حين تتبدل المصالح وتتغير الأهواء.
هذه الحقيقة لا ينبغى أن تخفى بأى حال على قادة الجمعية المصرية للتغيير التى يتزعمها الآن الدكتور محمد البرادعى، وهذا الواقع لا أظن أنه يغيب عن عقول ذلك الحشد من الرموز الوطنية التى سلمت اللواء للبرادعى، وارتضت أن تعمل تحت مظلته منذ عودته إلى القاهرة وبعد اجتماع فيلا مزرعة جرانة الذى شهد ميلاد هذه المبادرة الجديدة للإصلاح.
أثق تماماً فى النوايا الحسنة لهذه النخبة المصرية الفريدة، وأتفاءل حتماً بكل صوت يطالب بمزيد من الديمقراطية ويناضل لرفع سقف الحريات، ويجاهد نحو تداول سلمى للسلطة يحقق لمصر مبتغاها فى واقع أفضل، لكننى أخشى أيضا أن تقودنا النوايا الحسنة إلى المضى فى نفس المسار المعتم من الرهان على الحماية الدولية لقوى التغيير، وأخشى أيضا أن تكون البصمات الأمريكية على هذا المسار سبباً فى أن يوغر صدر الشارع المصرى ضد الفكرة الإصلاحية من الأساس، وربما يعلم رموز الجمعية المصرية للتغيير، كيف ينظر المصريون إلى الولايات المتحدة، وكيف تنقطع كل أحبال الثقة فى كل ما يصدر عن البيت الأبيض من تعليقات أو بيانات تخص الشأن السياسى المصرى.
المصريون يتشككون فى النوايا الأمريكية، ويضعون نصب أعينهم المساحة الواسعة من المصالح الأمريكية التى تحكم مسار التأييد أو التنديد بالحركات المعارضة فى العالم العربى، أمريكا تختار مصالحها فقط، وحين تكون المصالح فى معسكر السلطة فهى تنحاز إلى السلطة، ولعل تجربة ما بعد الحرب العراقية تبرهن على هذه الحقيقة فى العلاقة بين واشنطن والقاهرة، ففى الوقت الذى يحتاج فيه البيت الأبيض إلى دعم الأنظمة السياسية العربية حين تلوح مصالحه بذلك، يدير ظهره للمعارضة كأنها لم تكن، وحين ينقلب على النظام فى جولة من العناد والمجابهة فلا يتردد الأمريكيون فى أن يسترقوا النظر من جديد نحو قوى التغيير، ويتذكرون أسطورة الديمقراطية والتغيير والإصلاح وحقوق الإنسان.
الأمريكيون يفسدون خطواتنا الإصلاحية حين يدسون أنفهم فيما لا يعنيهم، والأمريكيون يلوثون نتائج نضال القوى الوطنية المحلية حين يتوهمون قدرتهم على حمايتها أو ضمان أمنها الشخصى والسياسى.
تجربتنا المحلية كشفت أخطاراً قاتلة فى نظريات الاعتماد على الخارج، فالأمريكيون لم يتمكنوا من حماية سعد الدين إبراهيم حين كانت مصالحهم على الضفة الأخرى، والأمريكيون لوثوا عن جهل مسيرة كانت واعدة لحزب الغد بقيادة أيمن نور، الدكتور أيمن نفسه يعترف الآن بأن كل بيان للمساندة يصدر عن الخارجية الأمريكية كان يعنى المزيد من الغرق لحركته فى الداخل، وربما ناضل أيمن لاحقا لكى يبعد الأمريكيين عن حركته، بقدر نضاله لتحقيق أهدافه السياسية فى الداخل، أضف إلى هذه التجربة المريرة كل ما يشعر به الناس فى مصر من الاحتقار لكل من يتساند على دعم خارجى، خاصة إن كان الدعم قادماً من الولايات المتحدة، الإدارة أو الإعلام أو الكونجرس أو قوى أخرى.
أخشى أن النوايا الحسنة لجمعية البرادعى تدفعهم إلى مسار لا يجلب إلا هذا الخراب والعار فى النهاية، فالبعض قد يتصور أن نقل المعركة إلى الولايات المتحدة، وفتح الأبواب لطرح القضايا الوطنية فى الصحافة الأمريكية يمثل حماية لحركة الجمعية فى الداخل، ويشكل قيمة مضافة إلى الضغوط على النظام السياسى لتحقيق أهداف الجمعية، ومن هنا يشارك رموز الجمعية فى مؤتمرات على الأراضى الأمريكية، أو يتم التخطيط لتنسيق أعلى مع سياسيين بحجم سعد الدين إبراهيم، أو يجرى استثمار قوى أقباط المهجر لدعم الجمعية بما لديهم من علاقات واسعة فى الكونجرس والبيت الأبيض.
هذه المسارات المتعددة قد تؤدى إلى خسائر فى الرصيد الشعبى للجمعية، وكل التصريحات التى يطلقها الدكتور البرادعى فى الصحف الأمريكية وتفسر باعتبارها استدعاء لهذه الحماية الأمريكية قد تنقلب فى الحصاد الأخير على الجمعية ورموزها، وتؤدى إلى خلق أسوار من الشك مع الجماهير العريضة فى الشارع المصرى، والتى لا تثق فى أمريكا ولا تحب أن يكون لسادة البيت الأبيض كلمة هنا فى مصر، لأننا نعرف النوايا واختبرناها من قبل.
الآن أنصح الدكتور البرادعى بأن يتوقف عن منح الأولوية للصحافة الأمريكية فى حواراته التى تخص الشأن الوطنى الداخلى، والآن أنصح أن تكون الزيارات للولايات المتحدة مهنية وعلمية لا سياسية وتعبوية، فربما يجرفه حسن النوايا إلى التورط فيما هو أكبر من ذلك، وربما نظن، وليس كل الظن إثما، أن شيئا ما يدفعه إلى نقل المعركة إلى الخارج، وهو ما لا نحبه ولا نرضاه مادمنا نستطيع أن نحرك كل المياه الساكنة على أراضينا من الداخل، فالناس التى تحلقت حول الدكتور البرادعى، أرادت ذلك قبل أن تظهر ورقة الحماية الدولية، والناس التى ساندت جمعية التغيير خرجت للتعبير عن نفسها فى الشارع دون أن تحلق المروحيات العسكرية الأمريكية فى شوارع القاهرة لحمايتها فى الطرقات.
سأصدق الدكتور البرادعى حين يعلن أنه لا يستجدى حماية ولا يطلب دعما، وأن حسن النوايا قائم فى كل خطوة من خطواته، وسأصدق الدكتور البرادعى حين يؤكد أن زيارته الممتدة إلى الولايات المتحدة مهنية وعلمية، لا سياسية واستجدائية، وسأصدق الدكتور البرادعى حين يعلن أنه لا ينتظر شيئا من أمريكا، لكننى لن أصدق إلا عينى وضميرى حين أرى أن الولايات المتحدة على رأس أولوياته فى كل خطوة، وأن الصحافة الأمريكية هى قبلته فى كل حوار، وأن أنصاره فى أمريكا يتوجهون إلى الكونجرس والخارجية لنقل اشتباكنا فى الداخل إلى ساحات الساسة فى أمريكا.
أرجو من الدكتور البرادعى أن يطلب من أمريكا اتخاذ خطوة إلى الوراء حتى لا يفقد ثقة الشارع، وأرجو من أنصار الدكتور البرادعى ألا ينتقلوا للصخب السافر فى الولايات المتحدة، فى حين نمارس جميعنا كل الصخب هنا متى شئنا ذلك.
لا تلوثوا حركة إصلاح واعدة حين تقدمونها فريسة سهلة لسادة البيت الأبيض.. هؤلاء الذين لا يريدون إلا إعلاء إستراتيجيتهم العسكرية وآلتهم للدمار على أرض الشرق الأوسط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة