كانت مصر هى قبلة حركات التحرر الوطنى الأفريقى، وكانت أفريقيا وزعماؤها الكبار السند والدعم لمصر فى العالم والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، وهى تساند زعيم مصر جمال عبد الناصر فى دفاعه عن حقوق الشعوب فى التحرر من نير الاستعمار هو ونيكروما ونيررى، فماذا حدث لهذه العلاقات التاريخية، لذلك تشكل قضية توقيع عدد من بلدان حوض نهر النيل من دول المنبع للاتفاقية الإطارية دون دولتى المصب مصر والسودان خطراً كبيراً لمصر. وتتمثل نقطة الخلاف الرئيسية فى الاتفاق الموقع عام 1929 بين مصر وبريطانيا ممثلة لمستعمراتها الأفريقية والذى يعطى مصر حق الاعتراض على المشروعات التى تقام أعالى النهر يمكن أن تؤثر على حصتها من المياه. لذلك اشترطت فى الاتفاقية الإطارية أن توافق دولتا المصب مصر والسودان على أى مشروعات لضمان عدم تأثيرها على حصتها، ومن ضمن الاعتراضات التى أثارتها الدول أن هذه الاتفاقيات وقعها الاستعمار وبالتالى نحن غير ملتزمين وفى الحقيقة أننا هنا نوضح للقارئ أن هناك قواعد فى القانون الدولى تؤكد الحق المصرى فى هذا الأمر ويقوم على أساس التقاسم المنصف للمياه، المستند إلى مجموعة من المعايير المتوازنة، منها الموارد المائية المتاحة لكل دولة من دول الحوض، واعتماد السكان فى كل دولة على موارد النهر، ومبدأ وجوب عدم الإضرار بالدول النهرية الأخرى، وبالتالى فالتقسيم العادل للمياه الذى طرحته بعض الدول لا يجب أن ينظر إليه فقط بشكل مجرد للإحصائيات والأرقام وكم هى حصة كل دولة، فدولة مثل مصر تحصل على 55 مليار متر من المياه لأنها تعتد على مياه النهر بنسبة 98%، فى الشرب والزرع والرى بينما بلدان أخرى لا تحتاج إلا لنسبة قليلة لوجود موارد أخرى للمياه مثل الأمطار التى تهطل لثمانية أشهر علما بأن تقديرات المياه التى تهطل فى حوض نهر النيل 1600 مليار متر من المياه، بما يعنى أن التعاون بين بلدان الحوض من أجل الاستخدام الأمثل لهذه المياه وزيادة حصص الدول والبلدان وتعظيم المكاسب فى مجال التنمية لشعوب دول الحوض والتعاون وليس الصراع هو الطريق الوحيد، ومن المهم هنا الوقوف عند بعض الحجج التى تقدم للتنصل من الاتفاقيات الدولية بدعوى أنها وقعت من قبل دول استعمارية، وهو شعار رفعته بعض الدول حديثة الاستقلال فهل يلزم توقيع عنتيبى بأوغندا الذى وقعته أربعة بلدان من دول الحوض، مصر، أم أن هذا الإجراء يتناقض مع مبادئ القانون الدولى.
أثير هذا المطلب فى مؤتمر فينا لعام 1978 بشأن توارث الدول للمعاهدات الدولية، ويمكن تفسير المادتين 11 و12 من الاتفاقية بأنها وحرصاً على استقرار النظام الدولى فيما يتعلق بالاتفاقيات العينية مثل الحدود الدولية أو الالتزامات والحقوق لأطراف دولية، فالاتفاقيات الدولية ذات الطابع العينى تأخذ الحكم الخاص بمعاهدات الحدود وأنظمتها، ولا يجوز للدولة الخلف أن تتنصل من الالتزامات التى تضمنتها اتفاقيات دولية لها هذا الطابع وأبرمتها الدولة السلف، وينطبق هذا على المعاهدات الموقعة بين بريطانيا العظمى وإثيوبيا 1902 والتى تعهد بها إمبراطور إثيوبيا إزاء الحكومة البريطانية بعدم إقامة أى أعمال على النيل الأزرق أو على بحيرة تانا أو على السوباط يكون من شأنها التأثير على مياه النيل وضرورة التشاور أولا قبل القيام بأى أعمال.
وأيضاً على الاتفاق المنعقد بين بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا فى 13 ديسمبر 1906 فى شأن التعهد بالمحافظة على وحدة أثيوبيا والمحافظة على مصالح بريطانيا ومصر فى حوض النيل، وبخاصة فيما يتعلق بتنظيم مياه هذا النهر وروافده. وأخيرا تبادل الخطابات فى مايو 1929 بين رئيس مجلس الوزراء والمندوب السامى البريطانى الذى تضمن اعتراف بريطانيا بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية فى مياه النيل، ولم تكن الاتفاقيات التاريخية لصالح مصر فقط وإنما هى كانت لصالح البلدان فى حوض النيل بل وساهمت فى مصر فى دعم مشروعات فى بعض البلدان ففى 16 يوليو 1953 تبادلت مصر والمملكة المتحدة المذكرات بشأن مساهمة مصر فى إقامة القناطر فى شلالات أوين لتوليد الطاقة كى ينتفع بها شعب أوغندا وكانت بريطانيا تتعاقد مع مصر باسم أوغندا.
فى الحقيقة لقد تجاهلنا لسنوات طويلة مصالحنا فى القارة الأفريقية، رغم الرصيد الكبير الذى تركه الميراث الناصرى فى أفريقيا ورغم الخبرات الكبيرة لدى قيادات مصرية مازالت على قيد الحياة أطال الله فى أعمارهم، الوزير محمد فائق، والدكتور بطرس غالى وغيرهما كثر. إننا فى حاجة إلى وضع إستراتيجية وطنية لتأمين المياه لشعب مصر عبر تمتين العلاقات المصرية الإفريقية بشكل عام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة