فى كتب التاريخ صفحات سوداء تحكى عن أمراء سقطت عنهم شهامتهم، واختلطت رجولتهم بكثير من أعمال قلة الأصل وقطاع الطرق، ولم يمنعهم خجلهم أن يستعينوا على ملكهم ومملكتهم بجيوش عدو تنتهك حرمة بلادهم فى مقابل حصولهم على عرش بلا سلطة، ركز مع كتب التاريخ وستجد من هذه القصص الكثير وستجد فى هوامش تلك الصفحات ما هو مدون ليؤكد على أن أغلب هؤلاء الذين استعانوا بمن هم فى الخارج ليمكنوهم على من هم فى الداخل كانوا يعانون كثيرا من قلة الحيلة، كانت حجتهم أضعف من أن تقنع الناس فى الشوارع، وكان شرهم أكبر من أن يمنعهم من تسليم البلد على المفتاح لغريب يدخلها بدافع تقديم العون والمساعدة، ولا يخرج منها ولا حتى بالطبل البلدى، راجع كتب التاريخ جيدا وستجد بها الكثير من الحكايات عن الاستقواء بالخارج وأهله، وذاكر ما بين سطور حكاياتها لكى تعرف تركيبة هؤلاء الذين غفلوا عن منطق "أنا وأخوى على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب"، بل عكسوه تماما وجعلوا منه تيمة واحدة تقول .. أنا والغريب على أخويا وابن عمى طالما فى ذلك مصلحتى.
نحن فى مصر الآن نعانى من عشاق هذا المنطق، من هؤلاء الذين كلما داس لهم أحد على طرف صرخوا قائلين والله لنقول لأمريكا ونفضحكم فى أوروبا، وكأنهم يتكلمون على بلد لا يحملون جنسيتها أو دولة لا يعرفون علمها، هؤلاء الذين لم يقرءوا كتب التاريخ، أو قرءوها ولم يحفظوا أن فى نهاية كل حدوتة استقواء بالخارج خازوقا كبيرا يحصلون عليه، ومهانة أكبر يحصل عليها الوطن.
ربما كان قمع الدولة وإرهابها وتحيزها وجهلها فى كثير من الأحيان يضيق الخناق على الفئات المختلفة معها مثل البهائيين والشيعة وأهل النوبة وأقباط المهجر ورجال المعارضة والإخوان، ربما كانت الدولة لا تسمع ولا تستجيب لمشاكلهم، وربما لم تترك لأحد مساحة ليناقش أو يشرح أو يطلب، ربما الدولة هى السبب فى أنها لم تترك للفئات السابقة أى مخرج لتحقيق أهدافه إلا وأغلقته بالضبة والمفتاح، ولكن كل ذلك رغم قسوته وبشاعته لا يعنى بأى شكل من الأشكال أن نسمع عن خطابات قبطية طائرة إلى واشنطن تطالب بقطع المعونة عن مصر أو رسائل بهائية متتالية تطالب بلجان تحقيق دولية للتحقيق على أراض مصرية، أو مطالب نوبية تريد مساعدة دول أوروبا على تأكيد انفصالها عن مصر، أو مؤتمرات للمعارضة تنادى المجتمع الدولى بالتدخل فى شئون مصر الداخلية لإسراع عجلة التحديث الديمقراطى إو إزاحة النظام القائم بقيادة حسنى مبارك، لأن كل هذه الحيل التى تدخل تحت بند الاستقواء بالخارج لا يمكن أن تجد تعريفا آخر لها سوى الخيانة.
أعلم جيدا أن الدولة وجهازها الأمنى والإعلامى يعشق استخدام هذا الاتهام ويحترف التلويح به فى وجه كل معارض تربطه صلة بالمجتمع الخارجى، وأعلم جيدا أن الاتهام بالعمالة والخيانة من الاتهامات الجاهزة التى تستخدمها الدولة لتشويه كل من تسول له نفسه أن يعارضها، أو يتحرك خارج الأطر التى وضعتها، وأعلم جيدا أن توجيه الدولة هذه الاتهامات بالعمالة والخيانة إلى قيادات المعارضة والفئات المختلفة معها عمال على بطال هو أحد الأسباب التى انتزعت الكثير من خطورة فكرة الاستقواء بالخارج وحولت الأمر إلى نكتة.
لا أحد سواء الأقباط أو أهل النوبة أو البهائيين أو المعارضة يستحق لقب خائن أو عميل بعد، لا أحد منهم يستحق أن يرتدى البدلة الحمراء بتهمة خيانة مصر، لأننا لا نملك حق التفتيش فى النوايا، ولكن فى الوقت نفسه لا أحد منهم يملك حق أن يستقوى على مصر بدولة أجنبية، مهما كان يرى حقوقا له ضائعة، أو فرصا له مسروقة، لا يستحق أحد من هؤلاء بدلة الإعدام الحمراء، ولكن كلهم يستحقون معاملة أكثر جدية من قبل الحكومة، ودروس متعددة فى الوطنية، وأيضا عين عادلة تنظر إلى حقوقهم ومطالبهم بعين الاعتبار، حتى نحمى أنفسنا من هذا الكابوس الذى تحول إلى لبانة على لسان كل من يغضب قليلا فى البلد، فيسارع بالتهديد باللجوء إلى المجتمع الدولى حتى إن أحدهم وهو غريب الأطوال المسمى بموريس صادق طالب إسرائيل بالتدخل لإنقاذه، هؤلاء يستحقون قرصة ودن قوية ومحاكمة عاجلة بتهمة تشويه سمعة البلد فى الخارج، ومن بعدهم تستحق الدولة نفسها محاكمة سريعة، لأنه لا يمكن لأحد أن يبرئ النظام الحالى تماما من فكرة الاستقواء بالخارج، فالدولة أيضا تقف فى الطابور نفسه وأن كانت تأخذ شكلا مختلفا، انظر إلى من يهرول إلى الصحف الأجنبية أو المنظمات أو الرؤساء الأجانب حينما يشيدون بحكمة الرئيس، انظر وركز كيف يتم الاحتفاء بهذه الكلمات والتعامل معها على أنها مصدر قوة للنظام، هذا الاحتفاء الإعلامى والرسمى بكل كلمة أوروبية أو أمريكية تقال بشكل جيد عن الرئيس مبارك أو نظام حكمه نوع من الاستقواء بالخارج فى مواجهة انتقادات المعارضة، وهو نوع رخيص، لأنه يحصر شرعية النظام الحاكم فى أدائه الخارجى فقط.
الحل إذن يمكن لدى كل الأطراف.. الدولة التى يجب أن تنصت أكثر لمشاكل الفئات المختلفة بداخلها، وتمنح المعارضة مساحات أكبر للتنفس فى إطار جو ديمقراطى حقيقى، أما هؤلاء الذين تستهويهم فكرة الصراخ باسم الخارج فلابد أن يدركوا أن حل مشاكلهم لن يأتى على أكتاف الآخرين وإن جاء فسيكون مغلفا بالعار، أما بالنسبة لهذا الشعب.. فلابد أن يكف عن صمته، لأن الصمت يفتح طريقان أحدهما للأنظمة المستبدة تتمادى فى قهرها وقمعها، والثانى لهؤلاء الذين يعملون فى الظلام ولا يمنعهم خجلهم من استعداء العالم ضد مصر مقابل مصالح شخصية زائفة وزائلة!!
والله لأقول لأمريكا وأفضحكم فى أوروبا
لم يعد لمنطق أنا وأخى على ابن
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة