التعليم الفنى عصب الحياة فى دول سارت على طريق التقدم والنهوض الصناعى، فكل الدول الصناعية الكبرى بدأت مشوارها من التعليم الفنى الذى كان بمثابة وقود النجاح الصناعى، لكن فى ظل النظام التعليم المصرى الحالى نجد أن التعليم الفنى يحتضر، بسبب ما يعانيه من مشاكل مزمنة، يأتى على رأسها ضعف التمويل والإمكانيات، ونقص هيئات التدريس، والفصل التام بين النظرية والتطبيق.
ففى الوقت الذى يعلن فيه وزير التعليم د.أحمد زكى بدر عن قيام الوزارة بتطوير التعليم الفنى، نجد أن الدراسات العلمية والتربوية تؤكد أن التعليم الزراعى الثانوى على سبيل المثال غير مرتبط بسوق العمل، ولم ينجح خريجوه فى الحصول على فرص عمل مناسبة، حيث كشفت دراسة للجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى عن أن السنوات الأخيرة شهدت انهيارًا فى مستوى التعليم الزراعى وتحوله عن أهدافه التى أُنشئ من أجلها.
وأشارت الدراسة التى نُشرت بالكتاب السنوى للجمعية تحت عنوان "التعليم الثانوى ومسارات التنمية" منذ أكثر من خمس سنوات إلى أن التعليم الزراعى ضل الطريق عن أهدافه الحقيقية بابتعاده عن مواقع الإنتاج، مما أدى إلى تخريج دفعات متتالية، لم تستطع أن تحصل على فرص عمل بسبب انخفاض مهاراتها.. وأرجعت الدراسة سر فشل التعليم الزراعى إلى ارتفاع كثافة الطلاب بالفصول، مما أثر بالسلب على فرص التدريبات العملية.
وأكدت الدراسة أن التعليم الزراعى بالرغم من أنه تعليم عملى فى الأساس أصبح نظريًا خلال السنوات العشر الماضية، وأن من أهم أسباب فشل النظام التعليمى بالمدارس الزراعية هو قلة المدرسين المتخصصين علاوة على افتقاد الجانب التربوى، حيث لا تتعدى نسبة أهل التخصص بالمدارس الزراعية 2,30%.
ووضع بعض المتخصصين روشتة علاج لهذه النوعية من التعليم، وأكدوا لى أن الحل الجذرى يكمن فى بناء المدارس الزراعية فى بيئات ريفية أو زراعية حتى يكون الطلاب أقرب إلى التطبيق العملى، وأكدوا أن التعليم الزراعى بمصر يجب أن يكون متصل الحلقات بحيث لا يتوقف عند المرحلة الثانوية، علاوة على مد فترة دراسة التعليم العام قبل التخصص فى التعليم الزراعى حتى يستطيع الطلاب التزود بالمهارات العقلية والاتصالية التى يعتمد عليها فى التعليم الزراعى فيما بعد.
وعلى الجانب الآخر تؤكد إحصاءات إدارة الإحصاء بوزارة التربية والتعليم انخفاض نسبة ما يُنفق على طالب التعليم الزراعى، حيث كانت عام 1987/ 1988 93 جنيهًا، وبالرغم من أن هذه النسبة أقل نسبة على مستوى العالم يتم إنفاقها على التعليم الزراعى إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 35 جنيهًا عام 1986، ثم انخفضت إلى 28 جنيهًا عام 1988، ثم ارتفعت ثانية إلى 52 جنيهًا عام 1998، و58 جنيها عام 1999، ووقفت عند هذا الحد حتى الآن مع ملاحظة انخفاض قيمة الجنيه. وتأتى هذه التكلفة المتدنية فى الوقت الذى وصلت فيه تكلفة الطلاب الدارسين للدراسات الزراعية المتوسطة فى دول المغرب العربى إلى ألف دولار سنويًا، وترتفع هذه النسبة إلى 10 آلاف دولار سنويًا بالدول الأوروبية، بينما تصل هذه النسبة إلى 700 دولار سنويًا فى معظم الدول الأفريقية، وبذلك يكون الطالب المصرى هو أقل تكلفة فى العالم. وقد أدى ذلك إلى ضعف الطالب المصرى وعدم توفير وسائل التقنية الزراعية الحديثة من أجل التدريب عليها.
وإذا انتقلنا إلى عمليات التقويم والامتحانات والتى تتم حاليا نجد أن الدراسات التى أُجريت بتربية عين شمس وتربية بنى سويف أكدت أن نتائج التعليم الزراعى بعيدة كل البعد عن المستوى الحقيقى للطلاب، حيث تؤكد هذه الدراسات أن الاختبارات العملية خاصة التى تجرى فى السنة الثالثة والتى تُعد نهاية مرحلة التعليم الزراعى نظام ثلاث سنوات تتم بصورة عشوائية، ولا يتم فيها اختبارات عملية بصورة حقيقية، ولكن تتحول فى مجملها إلى أسئلة نظرية دون تقييم الطلاب عمليًا على الجانب التطبيقى للمناهج النظرية.
وأشارت هذه الدراسات إلى عدم دقة تصحيح أوراق الإجابات فى الامتحانات سواء فى أعوام النقل أو السنة النهائية. والغريب أنه بالرغم من انخفاض مستوى الخدمة التعليمية نجد أن نسب النجاح فى ارتفاع مستمر على مدار العشرين عامًا الماضية طبقًا لإحصاءات وزارة التعليم نفسها، حيث بلغت نسبة النجاح فى السنة النهائية للدبلوم الزراعى عام 80/81 (9,83%) بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 4,92% عام 90/91 ثم أخذت هذه النسبة فى الارتفاع إلى أن وصلت إلى 75% عام 99/98 وحتى الآن فى ارتفاع مستمر
وهكذا تفقد مصر أهم مقومات مواجهة أنظمة الاقتصاد العالمى الجديد وذلك بفقدانها الكوادر الفنية الزراعية التى تتخرج فى التعليم الفنى الزراعى خاوية من أى مهارات عملية بسبب ما يعانيه هذا النوع من التعليم من إهمال حاد من قبل الوزارة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة