محمد حماد

لكل نظام أبواقه

السبت، 22 مايو 2010 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل نظام له أبواق تتحدث باسمه، وتعبر عنه، والأبواق أنواع: منها الجيد، وأكثرها من النوع الردئ، والقارئ المتمرس يعرفهم بسيماهم، تجمعهم عصا السلطان، ويفرقهم ذهبه، ويظهر من غبائهم ما يسعى النظام لأن يخفيه، وهم بغشوميتهم المعتادة يتحولون رويداً إلى أبواق صماء، تتكلم بما لا تعى، ويعلو صوتها كالخوار حتى يتوهم السامع أن تحت الصوت كلاما، وما هو بالكلام، ولكن شُبِّه لهم، ويعرف القارئ العادى بدون أدنى جهد أن ما يكتبونه يدخل فى باب الردح، أو هو أقرب إلى حديث الشوارع منه إلى حديث الجرائد.
أبواق أى نظام تأتى دائماً على مقاسة، أو هى فى الحقيقة تكون على شاكلته، تشابهت قلوبهم، يتهمونك بما هو فيهم، مَثَلٌهم كمثل التى تتهمك بما فيها من عهر، وما تعودته من وضاعة، حتى توارى سوءتها التى اعتادت أن تعريها على رؤوس الأشهاد.
بعض تلك الأبواق يتصور أن الأقلام لا مهمة لها غير أن تطبل للنظام عشرة بلدى، ولا شرف لها غير أن ترقص على التت، كل أمانيهم تنحصر فى أن يطرب الحكام من أقلامهم التى اعتادت هز الوسط لأصحاب المعروف، يزمرون على زمر النظام الصاخب، ويرقصون على إيقاعاته النشاز، ويطالبون الجميع بأن يفعلوا فعلهم حتى تتساوى كل الرؤوس: رؤوس لا تنحنى لغير ربها، وأخرى اعتادت السكنى تحت الأقدام.

وبعض تلك الأبواق يفهم أن تزييف الوقائع هو الرسالة التى تقوم عليها الصحف السيارة، والصحف الواقفة مثل صحفهم البايرة، لا يعرفون غير الكذب تجارة رابحة تتداول عملات زائفة لا قيمة لها، ومثل هؤلاء لا يتوقعون أن ترصد الجرائد ما يجرى فى المجتمع على حقيقته، فالجريدة ليست مهمتها فى عرفهم رصد الوقائع، ولا ذكر الحقيقة، كل ما يهمهم ويشغل بالهم هو تمرير الكذب الحكومى، ولا يخطر ببال أحدهم أن تكون مهمة الصحفى قول الحقيقة كما هى، بل يرى أكثرهم مهمة الصحفى المقدسة هى أن يتغنى بإنجازاتٍ للحاكم لا وجود لها على أرض الواقع، والصحفى الشاطر فى عرف هؤلاء هو الصحفى الذى يخترع للحكومة إنجازاً لم تسمع هى عنه، ولا هى فكرت فيه، ولا خطر على قلب وزير فيها، ولا مسئول عنها، وشعارهم: اكتب واشكر، واكذب ثم اكذب ربما يصدقك الناس، وأغلى أمانيهم: رضا الحكومة ونظرة عطف ممن بيده السلطان.
بعض تلك الأبواق تُنَصِّب نفسها حارسة على كل قلم، وأدمنت تقديم البلاغات فى الذين يخرجون على الظلم شاهرين أقلامهم، فالكتابة عند هؤلاء تقوم على قاعدة: اربط القلم حيث يريد صاحبه، أى الحاكم: الحالى أو القادم.
هم أبواق للحاكم الحالى وللحاكم المحتمل، ضماناً للسير فى الركب الحكومى أينما سار، ويحلون معه حيث يحل، يرون فى التوريث ديمقراطية تفوق ديمقراطية بريطانيا العظمى، ويقدمون الغلاء الحكومى باعتباره مكتوباً على الجبين، فلابد أن تراه العين، ويرون حالة الطوارئ هى الحال الوحيدة التى تنفع مع أمثالنا من الشعوب.

يؤاخذون بعض الأقلام لأنها لا تعرف إلا ذكر الحقائق كما هى، ويكذبون حتى على أنفسهم، يدافعون عن فرض حالة الطوارئ كأنها واجب وطنى مقدس، والبطالة فى عرفهم تعبير عن كسل الشعب وليست تعبيراً عن خيبة الحكومة، الفساد ربهم، والفاسدون قدوتهم، والموت فى سبيل رضا الحاكم أغلى أمانيهم، تزعجهم الكتابات التى تهاجم أخطاء الحكام، أو تلك التى تبشر بصحوة المحكومين، فالنظام عندهم كائن مقدس كعجل بنى إسرائيل لا يجوز المساس به، وصحوة الشارع ترعبهم، لأنها تبشرهم بأن زمنهم يمكن أن يولى، وتنذرهم بأن أيامهم قاربت على الأفول.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة