بالأمس كانت محكمة الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة تنظر الطعن الخاص بمؤسسى "حزب الوسط تحت التأسيس" ضد قرار الحكومة برفض الإشهار، الحكومة ترى أن برنامج الحزب لم يأت بجديد، ولذلك لا داعى لإشهاره فى الوقت الذى سمحت فيه بتأسيس 20 حزباً كرتونيا، يتكون كل حزب من حجرتين وصالة وعشرين مستفيداً، يتبادلون عزل بعضهم البعض من رئاسات وهمية لشقة الحزب، ويكتبون بياناتهم التأسيسية على ورق كارتون ويعلقونها على حوائط الشقة، حتى إذا نجح أحد الأعضاء فى عزل أحد الرؤساء قام بنزع ورق الكارتون المكتوب عليه البيان التأسيسى ولصق ورقاً آخر بدلاً منه!
الإخوة فى حزب الوسط تحت التأسيس "بمزاج الحكومة"، يستحقون الإعجاب على إصرارهم وصبرهم فى ماراثون الإشهار والتعذيب، فالعقبات فى طريقهم لا تُحتمل والفساد الحكومى لبرنامجهم لا ُيطاق، ومع ذلك يصبرون ويواصلون طريقهم بإخلاص المؤمنين بالأفكار الكبرى، أقول ذلك وأنا لست من أعضاء "الوسط تحت التأسيس"، ولست من المؤيدين لكل ما جاء فى برنامجهم، ولكن أحمل كثيراً من علامات التعجب على الفرصة الذهبية التى تضيعها الحكومة لدمج فصيل مهم من شباب جماعة الإخوان فى الحياة الحزبية والسياسية، هذا الفصيل المنشق عن الجماعة الأم يمثل المستقبل الحقيقى للجماعة من ناحية، كما يمثل الصيغة الأكثر توافقاً مع مجتمع مدنى يؤمن بالتعددية والمشاركة ويقبل الاحتكام إلى قواعد اللعبة السياسية من تنافس حزبى وانتخابات من خلال ضوابط الدستور والقانون.
ماذا تريد الحكومة أكثر من ذلك؟ أم أنها، أى الحكومة، لا تريد إلا الصورة الكلاسيكية لجماعة الإخوان التى تصفها بالمحظورة، وتصدرها إلى الخارج باعتبارها "البعبع" والنموذج "الحمساوى" والبديل الوحيد المتاح للنظام الذى لا يجب على الغرب دعمه أو تبنيه فى أكبر دولة بالشرق الأوسط!
ربما، لكن الرهان الحكومى بالإبقاء على جماعة الإخوان الكلاسيكية بصورتها الأقرب للتطرف وتوجهها ضد التواؤم فى المجتمع وعدم حسم تصوراتها السياسية ما بين الجماعة الدينية والحزب السياسى، هو رهان خاسر فى النهاية، ولن يدفع ثمن هذه الخسارة إلا المجتمع والحياة السياسية برمتها!
من هنا يمثل الحل الذى يقدمه حزب الوسط فرصة للتخلص من التعامل الحكومى التقليدى مع جماعة الإخوان، كما يمثل اختباراً حقيقياً لجدية السعى الحكومى لاحتواء "الإخوان" فى إطار الممارسة السياسية الشرعية!
لا أريد تصديق كلام المتشائمين الذين يحملون الحكومة مسئولية تصفية وتفريغ أحزاب المعارضة الرئيسية، الوفد، العربى الناصرى، والتجمع، ولا القول معهم إذا كانت هناك حكومة تدمر الحياة السياسية عبر تفريغ أحزاب المعارضة المختلفين معها سياسياً فلن تقبل بدخول لاعب جاد جديد للحلبة.
أقول إن تفريغ أحزاب المعارضة الرئيسية هو مسئولية قيادات وكوادر هذه الأحزاب أولا، كما أن تسليم قيادات هذه الأحزاب مفاتيح أحزابها للحكومة لا يعنى إلزاماً لكل حزب جديد ولا نهجاً للمعارضة فى مصر، فمن يدرى، ربما تتكون لدينا أحزاب من لحم ودم تعبر عن إرادة الناس فى الشارع، وتعتمد شعار تداول السلطة كأساس للعبة السياسية بدلاً من "شعار المعارضة جزء من النظام" الذى حولها إلى مجرد لعبة لا سياسة فيها ولا يحزنون.