تحدثت فى مقالى أمس عن الرمز الوطنى الكبير محمد فايق والدور الرائد الذى قام به فى تعزيز التواجد المصرى فى أفريقيا فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى، ولم يكن ذلك إلا تعبيرا عن هم مصرى عام بضرورة حماية الظهير الأمنى لمصر الممثل فى أفريقيا التى يأتينا منها مياه النهر، لم يكن الهدف منه كما قال الأستاذ خالد الشيخ فى تعليقه على مقالى، أن مصر تسعى وقتئذ إلى نشر فكرها الثورى فى القارة، والدليل على ذلك أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر احتفظ بعلاقات حيوية ودافئة مع هيلاسلاسى إمبراطور أثيوبيا، رغم أنه كان النموذج الأكبر فى القارة للحكام التقليديين وليس الثوريين، لكن النظرة إليه كانت تقوم على مبدأ أنه حاكم بلد يعبر منها مياه النيل إلى مصر، وبالتالى فإن تلك النظرة تتخطى مبدأ إذا كان ثوريا أو رجعيا، وتتعامل بمبدأ المصلحة العامة.
كان محمد فايق كما قلنا مسئولا عن الدائرة الأفريقية فى رئاسة الجمهورية، وكانت تلك الدائرة يتابعها جمال عبد الناصر شخصيا، ولأننا فى مناخ إعلامى وسياسى عام أصبحت أفريقيا همه الأول، وكأننا نعيد اكتشاف القارة من جديد، أتساءل: لماذا لم تواصل الحكومة انشغالها بالقارة بنفس حيوية الدور الذى كان يقوم به محمد فايق؟ وأقول، إننا لا نختصر الإجابة فى القول مثلا بأنه طالما ذهب محمد فايق، فلا أحد بعده، وإنما القصة كلها تتمثل فى الرؤية السياسية العامة التى اتبعتها مصر فى السنوات الأخيرة.
انصرفت هذه الرؤية إلى توجه مصر غربا، فى مقابل إهمال تام للقارة السوداء، وكأنه لا يأتينا منها إلا التخلف، وفى الوقت الذى بدأ الظروف مهيئة تماما لرجال الأعمال لتعظيم مكاسبهم بالارتباط بالمؤسسات الغربية، لم يلتفت هؤلاء إلى أفريقيا، ولم تنتبه الحكومة إلى ضرورة دفع رجال الأعمال دفعا إلى الاستثمار فى القارة السوداء، وإذا كان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط يرفض الاتهامات بأن مصر أهملت إفريقيا، ويرد على ذلك بقوله إن لمصر سفارات فى كل دول القارة أكبر من أى دولة أخرى، فمن البديهى الرد عليه بأن وجود السفارات لا يعنى تواجدا سياسيا فعليا ونشطا، وحتى لا يبدو أننا فى بكائية لن تنتهى، لابد من الانتباه إلى دور رجال الأعمال فى هذه القضية، بضرورة ضخ استثمارات لهم فى دول الحوض، على ألا يكون ذلك اختيارا حرا منهم، وإنما توجه إجبارى ترعاه الدولة.