من يحكم مصر، الرئيس أم معاونوه؟
نحن اعتدنا على عبارة: (بناء على توجيهات الرئيس)، سمعناها وقرأناها كثيراً على لسان الوزراء وكبار المسئولين فى الدولة، وهذا هو الأمر الطبيعى والمفترض والمنطقى، أن ينفذ وزراء الرئيس سياسته، وأن يسهروا على تنفيذ توجيهاته، وأن يبذلوا كل جهد فى إنفاذ وعوده التى يعد بها الشعب، ولكن الطبيعى والمفترض والمنطقى شىء، وما يجرى على أرض الواقع شيء آخر.
وعندى على ذلك أكثر من إثبات وأكثر من دليل، الأول حضرته بنفسى، كان ذلك فى القاعة الكبرى بنقابة الصحفيين، وكان الصحفيون قد احتشدوا حتى ملأوا جنبات القاعة وطبقاتها فى مؤتمرهم العام الرابع فى فبراير 2004، ودخل علينا جلال عارف نقيب الصحفيين، وبدأ فى إلقاء خطابه الافتتاحى للمؤتمر حتى وصل إلى فقرة يبدو أنها مكتوبة فى ورقة صغيرة من غير أوراق خطابه، وقرأ منها ما يبدو أنه نص جرى الاتفاق عليه فقال: اتصل بى الرئيس صباح اليوم وطلب منى أن أبلغ الصحفيين أنه يوافق على إلغاء الحبس فى قضايا النشر، وأنه سوف يصدر توجيهاته إلى الحكومة للتقدم إلى مجلس الشعب ليصبح هذا الوعد تشريعا، وضجت القاعة بالتصفيق الحاد، وانتهى المؤتمر على خير، وتفاءل الصحفيون بالوعد الرئاسي، ولكن الدكتور فتحى سرور وفى حديث صحفى بعد إطلاق الوعد الرئاسى بشطب الحبس فى قضايا النشر قال بالحرف الواحد: المشرع لا يعرف شيئا اسمه الوعد الرئاسى، ولا يعرف سوى القوانين، وانتظر الصحفيون تنفيذ كلام الرئيس ووعده وتوجيهاته، ولكن انتظارهم طال حتى اليوم، وقد مضى عليه أكثر من ست سنوات.
والمثل الثانى لم يمض عليه وقت كبير، ولا شك أن كثيرين منا يتذكرون ما جرى خلال المؤتمر الشعبى الجماهيرى الذى عقد بكفر الشيخ، خلال جولة الرئيس بالمحافظة يوم 17 يناير 2010 والذى قال فيه الرئيس على رؤوس الأشهاد: إن الضريبة العقارية لم تحسم بعد، وإننى أفكر فى البحث عن أسلوب متدرج لها، وأفكر فى مد فترة تقدير قيمة العقار والضرائب المستحقة عليه لتصبح عشر سنوات بدلاً من خمس سنوات، كما هو الحال فى القانون الحالى، مع وضع معدل التضخم فى الاعتبار عند إعادة التقدير، وبحث التدرج فى نسبة الضريبة بحيث تبدأ على سبيل المثال من 1% ثم تزيد تدريجياً.
هذه الملاحظات التى أبداها الرئيس تتطلب بالضرورة إعادة النظر فى بنود كثيرة من القانون، وكنا نتصور أن هذا التوجيه الرئاسى يخضع فورا لدراسة مستفيضة من لجنة متخصصة تشارك فيها الجهات المعنية لدراسة القانون وآثار تطبيقه ويستفيد من كل ما قيل فى وسائل الإعلام عن هذا القانون، من خبراء وأساتذة بل وقضاة محترمين، غير أن وزير المالية صرح فى اليوم التالى مباشرة أن القانون لن يتغير، واختفى الوعد الرئاسي، ونفذ كلام الوزير.
كيف يجرؤ وزير فى حكومة الرئيس على أن يناقض كلام الرئيس فى اليوم التالى لتصريحاته الواضحة وضوح الشمس حول تعديل قانون الضرائب العقارية ويقول إنه لا نية لتعديل القانون، من أين تأتيه كل هذه القوة؟، ولماذا يسكت عليهم الرئيس؟.
ولذلك نسأل بكل براءة: هل الرئيس مبارك هو الذى يحكم مصر؟، هل هو المسئول الأول وصاحب الكلمة الأولى، أم أن هناك مسئولين آخرين يحكموننا تحت غطاء الرئيس؟، وهل من بين سلطات هؤلاء الذين أوقفوا تحويل الوعد الرئاسى إلى حقيقة قانونية سلطة تعطيل قرار رئاسى فى شكل وعد أبلغه بنفسه إلى نقيب الصحفيين وشهد عليه وزير الإعلام الأسبق رئيس مجلس الشورى الحالى صفوت الشريف.
سؤال أخير: لماذا تنفذ حكومات الرئيس كل توجيهاته إلا وعده بإلغاء الحبس فى قضايا النشر، ووعده بإعادة النظر فى قانون الضرائب العقارية؟
فى خطابه الأخير أخذ الرئيس على نفسه عهداً وقطع لنا وعداً جديداً بأن تكون الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة نزيهة وشفافة، فمن يضمن لنا تنفيذ الوعد الرئاسى هذه المرة ولنا قبلها مثل هذه السوابق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة