عمال أمونسيتو والمعدات التليفونية والنوبارية، وأهالى طوسون والدويقة والمعاقون والموظفون.. عشرات المحتجين والمعتصمين على رصيف مجلسى الشعب والوزراء يقفون كأنهم يستجدون الحكومة أن تتدخل. الحكومة تعقد لجانا وتتفاوض مع نفسها ومع العمال، دون أن تسعى للتفاوض مع أصحاب المصانع الذين اشتروها وخصخصوها وطردوا العمال بالرغم من تعهدات حكومية بأنه لن يضار عامل.
الحكومة عاجزة تماما عن اتخاذ أى فعل، تترك العمال للأمن يتفاوض معهم ويطبطب على ظهورهم ويهددهم، والأمن ليس هو الذى باع المصانع، ولا هو الذى يرفع الأسعار، لكن الأمن نفسه هو الذى يجب أن يتدخل لفض الاعتصامات أو منع قطع الطرقات.
هذا لأن الحكومة لا تعرف شيئاً عن التفاوض، وليس لديها مفاوضون محترفون، أو مدربون يعرفون مطالب العمال بوضوح، وردود أصحاب المصانع بنفس الوضوح. المفاوض مهنة معروفة فى كل دول العالم حتى فى اختطاف الطائرات، لكن الحكومة تكتفى بالقول إن كل شىء تحت السيطرة، وإن الأمن يسيطر على الأمور. سيارات الأمن المركزى تمثل عنصر تهديد لمن يفكر فى الخروج على النظام، مع أن الحكومة أول من يتجاوز الخطوط، ويعطل المرور، ويرفض تنفيذ أحكام القضاء، مثلما حدث مع أهالى طوسون بالإسكندرية.
النظام كله يرفع راية التفاوض مع إسرائيل، ويسعى لطرح ودعم مبادرات أصلية وأخرى تنشيطية، لكن نفس النظام لايقبل مفاوضة المواطنين فى القوانين التى يفرضها عليهم. الحكومة تفرض قوانين الحزب الوطنى على المواطنين وتعجز عن فرض قانون لمواجهة الاحتكار، وتعجز عن إلزام أصحاب المصانع المخصخصة بتعهداتها أو سداد ما عليهم من أموال المعاش المبكر، وتفرض تقسيماً متعسفاً للمحافظات والدوائر الانتخابية وترفض الاستماع لرأى من تخصهم هذه القرارات التى تحكم حياتهم وتنقلهم من محافظة لأخرى وتفصل بين الأسرة الواحدة. وعندما يعترض هؤلاء لا تقدم لهم تبريراً، وحتى عندما يتضح فشل التقسيم لا تتراجع.
المحتجون يفقدون أى أمل فى الوصول إلى حل، فتبدأ العروض المختلفة من نصب المشانق إلى تسلق الأشجار، وحتى خلع الملابس، ويضطرون للتصعيد وقطع الطرقات والشوارع فترد الحكومة بعصا الأمن، مثلما حدث مع عمال أمونسيتو وأهالى طوسون الذين يرفض محافظ الإسكندرية تنفيذ أحكام القضاء لصالحهم، حتى أنهم «بلوا» أحكام القضاء فى المياه وشربوها، بعد أن اكتشفوا أن أحكام القضاء وحدها لا تكفى، وتظاهروا أمام محافظة الإسكندرية، ثم أمام مجلس الوزراء، وأمام البرلمان. أين يمكن أن يذهب العمال بعد أن وقفوا أمام السلطة التنفيذية والتشريعية وحملوا أحكام السلطة القضائية؟ ليس أمامهم شىء.. ظهورهم للحائط والحكومة التى تستقوى بعصا الأمن لا تعرف عن هؤلاء شيئاً، اتحاد العمال لا علاقة له بالعمال.
كل هؤلاء الغاضبين قنابل موقوتة وغضب مكتوم ربما يتطور أو ينفجر، بينما الحكومة والبرلمان يقفون فى الشباك يتفرجون مثل السياح على مواطنين فقدوا الأمل فى كل السلطات.