إذا كنت ممن يهوون القراءة، خاصة إذا كنت تعشق مطالعة الأدب، فأنا أضمن لك قسطاً وافراً من السعادة، وأبشرك بفيض من الإحساسات النبيلة فى زمن جفت فيه منابع الفرح والنبل، سوف تحس بكل ذلك وأكثر منه عندما تسارع إلى قراءة أول أعمال الروائى باولو كويلهو، والتى ترجمها إلى العربية باقتدار الأديب الكبير بهاء طاهر.
الرواية اسمها "السيميائى" وترجمت تحت عنوان "ساحر الصحراء"، وأصدرتها دار الهلال أواسط التسعينيات، وهى رواية رائعة بإجماع النقاد والقراء فى جميع أنحاء العالم، تحكى قصة مكابدة الإنسان فى البحث عن الحقيقة، بطلها شاب أسبانى يخترق الصحراء من المغرب حتى مصر يتأمل ويبحث ويطرح الأسئلة وتنكشف أمامه حقائق، أجواؤها سياحة فى التأمل، وأرضها صحراء ممتدة بلا نهاية.
هى رواية للقابضين على الحلم، أولئك الذين يظل حلمهم يتصاعد داخلهم، ويزيد تشبثهم به يوماً بعد يوم، حتى يكبر ويملك عليهم حق الطاعة والانصياع إليه فيجرهم جراً وراء التحقق، القبض على حلمك والانصياع وراءه هو عمق هذه الرواية الجميلة فى بساطتها، العميقة فى حكمتها، والمتجذرة فى أرض التجربة الإنسانية تلك التى تجىء من التعلم من "رؤية العالم".
هى رواية الحالمين إذن، بل هى رواية القابضين على حلمهم، الساعين إلى تحقيقه، إذا جلست إليها تقرأ أولها فلن تقوم من مقامك، ولن يرتد إليك طرفك قبل أن تنتهى منها، ستأخذك من نفسك، وإذا شئت الدقة فإنها ستأخذك إلى نفسك، ولن تنتهى من قراءة "السيميائي" قبل أن تبدأ فى التفتيش داخلك عن حلمك الذى خبا، وضاع منك فى زحمة التفاصيل الصغيرة، أو بين طيات تعاقب السنين والأيام والساعات والثوانى المكررة.
ما إن تنتهى من التهام صفحات الرواية المائة والخمسين حتى تضىء داخلك فكرة أنه كانت هناك دائماً فى الطريق إلى تحقيق حلمك، علامات وإشارات ربما تنبهت إلى بعضها، وربما أفلت بعضها الآخر منك، علامات ترشدك، وتوجه حركتك فى اتجاه الحلم، ولكنك منذ الآن، منذ لحظة تنتهى من العيش مع "ساحر الصحراء" سوف تبدأ فى تلمس ما بقى لك من علامات دالة فوق طريقك المرسومة.
سوف يعلمك "السيميائى" أو لعله يوقظ فيك حاسة النفاذ إلى ما يسميه "روح العالم"، وسوف تعرف أن السر يكمن فى الاستماع إلى قلبك، ذلك الذى يدرك كل شيء لأنه "قبس من روح العالم"، استفت قلبك وسر وراءه، واستمع إليه فى طريقك إلى تحقيق حلمك، سيعلمك "السيميائى" أن المحن هى الأداة التى صنعتها يد الحياة لكى تصهر معدنك مثل الذهب قبل أن تعطيك كنزك، قبل أن تمنحك أسطورتك الذاتية، قبل أن تكون أنت كما تريد، لا كما يريد الآخرون، أو كما تسيرك الظروف والملابسات الطارئة.
ما هى أسطورتك الذاتية؟، هل سألت نفسك من قبل مثل هذا السؤال؟، كل منا يعرف فى صدر شبابه وفى مستهل حياته ما هى أسطورته الذاتية، فى تلك المرحلة من العمر يكون كل شىء واضحاً، ويكون كل شىء ممكناً، ولا يخشى الإنسان من الحلم، ولا يخاف من أن يسعى وراء كل ما يشتهى أن يفعله فى الحياة، مع مرور الوقت تبدأ قوة غامضة فى محاولة إثبات استحالة تحقيق أسطورتك الذاتية، وربما تنهزم وتتخلى عنها مبكراً.
فضلا عن جرعة الإمتاع غير المحدودة التى سوف تحصل عليها وأنت تعايش فصول هذه الرواية وأحداثها فإنها تشحنك بروح جديدة عالية فى ثقتك بقدراتك الذاتية، ستؤكد لديك بل ستملؤك بمعنى جميل ورائع وبسيط فى آن معا، ذلك هو أنك: "عندما تريد شيئا بإخلاص فإن العالم كله يسخر لمصلحتك".
هى رواية تستحق الالتهام من أول نظرة، وهى لذلك باعت فى طبعتها الفرنسية خلال الشهور الأولى من صدورها مليون نسخة، ولقد زاد ألق النص عندى تلك اللمسة الساحرة التى خطتها ريشة فنان وأديب فذ وسوف تحس مثلى لمسة بهاء طاهر المبدعة، وإذا كنت قد نجحتُ فى أن أحرك الرغبة داخلك لقراءة هذا النص، فإنك تكون قد أضفت إلى سعادتى بها سعادة أخرى جديدة، هى جديرة بها، وأنت أيضاً جدير بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة