كنا بعد الجزء الثانى من مسلسل «ليالى الحلمية»، فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى. احتشد الآلاف من أهل قريتنا «كوم الآطرون - طوخ - قليوبية»، لاستقبال المبدع الكبير الرائع أسامة أنور عكاشة، ومعه من نجوم المسلسل الفنان الجميل سيد عبد الكريم، والجميل أيضا الفنان سيد عزمى.
كان أسامة أكثر المتحمسين لتلبية دعوتى لحضور هذه الندوة، التى سيكون جمهورها حسب تعبيره من أصحاب الجلاليب التى يرتديها أهل القرية من الفلاحين والمتعلمين، ويتمنى أن يستمع لهم، وأذكر قوله لى بعد الندوة أنه سيقول للفنان الجميل صلاح السعدنى الذى قام بدور سليمان غانم فى المسلسل واعتذر عن الحضور للندوة: «فاتتك فرصة كبيرة يا عمدة».
بين أطياف وعى مختلفة تحدث أسامة، وعلى وقع زغاريد النساء دارت الندوة، وبينما تواصلت الأسئلة التى تحدث بها البعض، وكتبها البعض الآخر، صمم أسامة فى نهاية الندوة على أن يحتفظ بها، وهمس فى أذنى: «على فكرة مستوى النقد عالى، والفلاحين بيتكلموا بصدق»، قلت له بعفوية: «البركة فى اللى بتكتبه يا أستاذ أسامة».
لا أنسى وقائع هذه الندوة التى ذاب فيها أسامة مع أصحاب الجلاليب، وبعد كل هذه السنوات أتأمل مسيرة هذا المبدع العظيم الذى يمر حاليا بأزمة صحية يدعو له الجميع بأن يعبرها بسلام، وأتوقف عند ملاحظته بارتفاع مستوى حديث النقد من الناس، وردى عليه بأن البركة فى اللى بيكتبه، وأرى أنه مع كل عظمة أعماله الدرامية على شاشة التليفزيون، فإن هذه الأعمال استطاعت أن تساهم فى تثقيف المشاهد وتنويره فيما يتعلق بتاريخنا الوطنى، كما أنها جعلت المشاهد طرفاً حاضراً فى الدراما، بالدرجة التى يحزن فيها أو يفرح بمصائر أبطال مسلسلاته، فمن يرى فى مسلسل «ليالى الحلمية» قصة حب زهرة وعلى، وقصة حب ناجى وقمر لا يستطيع أن يفصل نفسه عنهما، ويبلغ فى التوحد معهم درجة أنه لو قابل أسامة سيسأله: «ليه ماسبتش ناجى يتجوز قمر»، و«ليه خليت زهرة تعمل كده مع قمر»، أعطى هذا التوحد مع أعمال عكاشة للمشاهدين تثقيفا جعل منهم طرفاً نقدياً فى الأعمال الفنية، وهذا ما فطن إليه عكاشة، وجعله يحمل معه من قريتنا قصاصات الورق التى شملت الأسئلة التى وجهها الجمهور له.
أحب الملايين من عشاق الدراما أسامة لأنه أحبهم أيضاً، فلم يرض يوما أن يزيف وعيهم، بل كان لهم مخزنا للوجدان الراقى، والآمال فى غد مشرق، ولأجل كل هذا يدعو الملايين له بالشفاء.