علينا أن نخرج من تمثيل دور الضحية المغلوبة على أمرها، فنحن شركاء لا شك فى المسئولية عما يجرى لنا، نحن مسئولون عن استمرار حياتنا على هذه الوتيرة من المشاكل المتفاقمة بدول حل، لأننا فعلنا كل شىء وأى شىء غير أن نسعى لتغيير هذه الحياة، يعمل الرجل منا عملين وثلاثة ويتغرب عن بلده، ويلاقى فى ذلك الأمرين، من أجل أن يتغلب على بؤس الحياة التى أوصلتنا إليها السياسات القائمة، ومع ذلك لا نفكر فى تغيير الواقع الذى جعلنا كالمربوطين فى ساقية لا هدف لنا غير الحصول على لقمة العيش التى ربما تكون مغموسة فى الذل.
الشعوب كلها تتحرك إلا نحن حركتنا بطيئة وبليدة، دعاة الإصلاح بُحت أصواتهم وسجنوا وأعدموا ونحن كأننا معصوبو الأعين، يأتى الحاكم إلى الحكم وهو يتحسس طريقه، ويعمل للشعب ألف حساب ويظن به الظنون الطيبة، فإذا به يكتشف بعد قليل أنه أمام شعب خوَّاف، يتملقه بدلاً من أن يحاسبه، ويُقبِّل قدميه، بدلاً من أن يراجعه، وقديما قالوا: يا فرعون ما الذى فرعنك، قال لهم : لم أجد شعباً يوقفنى عن حدى.
بصراحة لست أجد أى أمل فى أى تغيير جوهرى إن بدأنا من فوق، أو لو اقتصرنا على التغيير الذى يأتى من أعلى الهرم وليس من أسفله، التغيير يجب أن يبدأ من تحت من الناس، من أخلاقهم، من عاداتهم، من أفكارهم، من طريقة تفكيرهم، من طريقة حياتهم، من هذا الراسخ لديهم وكله خطأ، جهودنا للأسف منصبة على النخب التى هى فى الغالب مقتنعة بما نقول، مما يجعل الأمر شبيهاً بمن يدعو الملتزمين إلى الصلاة وهم فى صحن الجامع.
أكثرنا من الحديث على فساد الحكام، وأكثرنا من لوم كل شىء إلا أنفسنا، وأكثرنا من تعليق الأسباب على شماعة الظروف والحكام والمؤامرات وخلافه، مرة واحدة ننظر فى المرآة، فماذا نجد، هذا هو السؤال: ماذا نجد إذا دققنا النظر إلى المرآة، انظروا معى وقولوا لى ماذا تجدون؟.
هؤلاء الحكام الذين نلعنهم ليل نهار، لهم أعوان هم نحن، هؤلاء الحكام لهم من يقمعنا هم أهلى وأهلك، هؤلاء الحكام قد يكون منا فى موقعه من هم أسوأ منهم إذا أصبحوا فى مواقعهم، لست أعفى الحاكم من المسئولية عن مصيبة ما نحن فيه، ولكنى أبحث عن الجانب الآخر من الصورة لكى يكتمل الأمر أمام أنظارنا، لا يمكن أن نتقدم خطوة إلى الأمام ونحن نتهم كل شىء فى التسبب فيما نحن فيه ونستثنى أنفسنا، كأن كل شىء غلط إلا نحن فتمام التمام.
حتى لا يفهمنى أحد غلط، أنا لم أكتب ولا مرة واحدة فى حياتى مع حاكم وهو يحكم، ولكن أنا هدفى التغيير، والتغيير لا يأتى، زعقنا عليه حتى بحت أصواتنا ولكنه لا يأتى، وكلنا يعرف أن الحاكم لا يريد التغيير، وأصبح يساورنى الشك فى أن الشعب يريد التغيير حقاً، كل موقف أتصدى فيه مع الناس على مستوى العمارة التى أسكن بها، لكى نتخذ موقفاً إيجابياً يخرج على الجميع بمقولة ثابتة كأنها المكتوب الذى لا مفر منه: "هو إحنا اللى هنغير الكون؟، فمن المسئول عن تغيير ما نحن فيه إذن، هل سنأتى بناس من المريخ لكى يغيروا أحوالنا؟ بصياغة أخرى: هل التغيير يبدأ بإصلاح الشعب؟ أم من إصلاح الحكم؟.
هناك من يعولون على إصلاح الحكم والحاكم، ويتصورون أن إضافة بعض النصوص الدستورية أو حذف بعضها الآخر يمكن أن يضمن إصلاحاً للمجتمع تستتبعه نهضة شاملة، والبعض يقول إن المشكلة ليست فى الدستور ولا فى نصوصه، فقد بيع القطاع العام فى ظل نصوص دستورية تنص على أن نظامنا اشتراكى يقوم فيه القطاع العام بدور رائد فى التنمية.
نحن مع القائلين بأن المسئولية مشتركة بين الجميع، حكاماً ومحكومين، نخبة وشعب، قد تكون مسئولية الحاكم أكبر ومصيبته أعظم، ولكن هل يعنى هذا أن الناس غير مسئولين، أعرف أن السمكة تفسد من رأسها، ولكن المجتمعات تفسد من أى بؤرة فساد تصيبها فلا تقاومها بقية الجسد.
أعود لكى أؤكد أننى لست أتحدث عن المسئولية فيما نحن فيه، لكن حديثى منصب على تغيير ما نحن فيه، حديثى يهتم بكيفية الخروج من هذه الحالة، والبداية فى رأيى تبدأ من إصلاح الشعب، فالإصلاح الذى يبدأ بالشعب هو الأبقى والأطول أثراً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة