فى الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء الكينى رائيلا أودينجا إلى مصر، هناك ما يثير الانتباه فى قضية الخلافات الحالية بين مصر ودول حوض النيل بسبب مياه النهر، وكينيا إحدى دول الحوض.
واجب الانتباه إلى ما قاله رئيس الوزراء الكينى لا يأتى من باب التذكير بما فات، ولا يأتى من باب مقارنة أوضاعنا الحالية بأوضاع ماضية، وإن كان هذا واجبا، وإنما الانتباه إلى نظرة الآخرين إلينا، وكيفية وضع هذه النظرة فى سياقها الصحيح، والاستفادة بها فى حل مشكلة الخلافات مع دول حوض نهر النيل.
قال رئيس الوزراء الكينى فى المؤتمر الصحفى الذى عقده يوم الاثنين الماضى مع الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء، إنه يعشق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وإنه تربى فى حى الزمالك فترة من حياته، حين كان والده موجودا فى القاهرة فى فترة الستينات من القرن الماضى، كان موجودا بوصفه أحد الزعماء الكبار لتحرير بلاده من الاستعمار، وأمدته مصر بجواز سفر مصرى، وقال رئيس الوزراء الكينى إنه مازال يحتفظ بهذا الجواز الذى منحته مصر لوالده.
وشهدت الزيارة لقاء مع رئيس الوزراء الكينى بالجمعية الأفريقية بالقاهرة، وللتذكير فإن هذه الجمعية لها فى نفوس السياسيين الأفارقة ذكرى طيبة، لأنها كانت مأوى لحركات التحرر الأفريقية التى ساندتها مصر عبد الناصر فى القرن الماضى، وفى اللقاء قال رئيس الوزراء الكينى، إنه ليس هناك نوايا أو أفكار للإضرار بالاقتصاد المصرى أو المساس بالأمن المائى المصرى، وذلك لأن مصر دولة شقيقة ولها دور تاريخى وفضل على كينيا والدول الأفريقية.
وقال أودينجا إن مصر فى الستينيات فى عهد جمال عبد الناصر كانت تدفع فواتير إقامة حركات التحرر الأفريقى فى القاهرة، وتدفع فواتير محطة إذاعية تستخدمها الحركات فى البث إلى دولها، وأنشأت مصر وقتها أيضا محطة للبث باللغة السواحلية للشعوب المتحدثة بها فى أفريقيا، وقام المواطنون بها وقتها بضبط المحطة على القاهرة، والتى كانت تقدم المعلومات عن حركات التحرر الأفريقية الموجودة فى القاهرة.
أضاف رئيس الوزراء الكينى أن المهتمين بأفريقيا وقتها، قالوا إن الحرية لن تجتاح كل بقعة فى القارة إلا عندما تنطلق من القاهرة.
هذا الكلام الهام يذكر المصريون به واحدا من قيادات دول حوض النيل، وقد لا يعجب بعض الذين يتمترسون خلف سياج الكره لعبد الناصر، ويقولون كلاما تافها من قبيل أن تلك النفقات التى ذهبت إلى حركات التحرر الأفريقية، كانت بعثرة لأموال المصريين، يقولون ذلك ويتناسون أن تلك النفقات هى التى تعتمد عليها مصر الآن فى التأثير على القادة الأفارقة، والدليل أن قائدا من دول الحوض يأتى إلينا ليذكرنا بما فعلته مصر مع بلده، ويقول كلاما يبدو منه أن هناك من الأفارقة من لديهم الاستعداد لرد الجميل، شرط أن يكون هناك تواصل مصرى معهم وفقا للمستجدات التى لم يعد فيها الآن حركات تحرر، وإنما فيها مصالح متبادلة.
وطبقا لذلك لا يليق مثلا أن يقول الرجل هذا الكلام فى مثل هذه الظروف، فيرد البعض بالاسطوانة المشروخة بأن المساعدات المصرية لكم كانت على حساب المصريين؟
وحتى لا تتحول القضية إلى معايرة بين زمن وزمن وفكر وفكر، أقول إن تراث مصر السياسى موجود بما فيه الكفاية فى أدغال القارة السمراء، والدليل يأتى من كلام رئيس الوزراء الكينى، لكن نظرة القارة لمصر لن تبقى فى ميزان حسنات المصريين، إن لم تستكمل القاهرة هذا التراث بأفعال إيجابية تتناسب مع المتغيرات التى جدت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة