لم يكن شهر من شهور السنوات الثلاث الأخيرة يمر دون أن تظهر شاشة دينية جديدة من تلك التى يجزم أصحابها أنها ستأخذنا للجنة، هكذا بكل بساطة تم تصدير فضائيات الناس والرحمة والحكمة ومشكاة الأنوار وغيرها على أنها البساط السحرى الذى سيحمل المسلمون من أمام التلفزيون إلى حيث الجنة ونعيمها..
الانتشار المثير للفضائيات الدينية صاحبه بالتوازى انتشار للفكر السلفى بكل طقوس وملامحه وقسوة ردود فعله تجاه الآخر أيا كانت درجة الاختلاف معه، وبالتبعية أصبح كل ناقد لما تبثه تلك الفضائيات الدينية من تعاليم دينية هو بالضرورة محارب للدين وداعى لانتشار فضائيات الكليبات والعرى حتى وإن لم يقل هو ذلك..
فى الفترة الأخيرة تعرضت هذه الفضائيات لموجة من الانتقادات طالبت بإغلاقها لما تبثه من محتوى يصنع بسبب تشدده وعداؤه للآخر صورة مشوهة للإسلام الحق كدين ينبذ الكراهية والتعصب ويرفع السماحة والحب شعار، ومن الغريب قبل القريب جاءت هذه الانتقادات، سواء عبر هجمات صحفية أجنبية تطالب بإغلاق هذه القنوات لأنها تنشر التطرف أو عبر انتقادات أزهرية وإسلامية معتدلة للأراء المتشددة التى تسيطر على الفضائيات الدينية ومشايخها.. وطبعا لا داعى لأن أخبرك أن الفضائيات الدينية نجحت فى الفترة الأخيرة فى صناعة جمهور أكثر تعصبها لها من جماهير الأهلى والزمالك، مجموعة من المريدين والتابعين يرون فى كل ناقد للفضائيات الدينية فاجر وفاسق وينظمون حملات منظمة للهجوم على كل رافض لفكرة وجودها أو كل ناقد لمضمونها وما تنشره من تعاليم.
هذا الجمهور المتعصب لم يمهل نفسه فرصة للتفكير فى الأزمة الأخيرة التى تصدرت قناة الرحمة مشهدها بعد صدور قرار إغلاقها عبر توصيات من منظمات أجنبية بسبب تعصبها وهجومها على إسرائيل، انطلق الجمهور يتكلم عن مؤامرة كونية وعالمية ضد الإسلام، عن أشرار بحواجب كثيفة يجتمعون فى قبو مظلم ويخططون ويقهقهون بعد أن قرروا القضاء على الإسلام بإغلاق قناة الرحمة.. هكذا روج جمهور الفضائيات الدينية للأزمة وهكذا تعامل معها باقتناع تام.. ولذلك طرحت بالأمس على السادة القراء عدة أسئلة تقول هل تؤيد قرار إيقاف بث قناة الرحمة على قمر النايل سات؟ وهل أنت مع فكرة وجود فضائيات دينية مثل الرحمة والناس عموما؟ وهل تشاهد هذه القنوات بانتظام؟ وما رأيك فى مطالب بعض المسيحيين بإنشاء فضائيات دينية خاصة بهم مثل فضائيات الرحمة والناس؟
وسوف أنشر لكم إجابات السادة القراء دون أى تدخل ولكن بعد أن أؤكد على أمرين أولهما: أننى ضد إغلاق فضائية الرحمة أو أى فضائية دينية بهذا الشكل، فالإغلاق أو المنع لن يكون يوما هو الحل لمواجهة هذا التيار الناشر للإسلام الوهابى المتشدد، فقبل الفضائيات كان محمد حسان ومحمد حسين يعقوب نجوما وكانت شرائطهما وكتبهما فى كل مكان، ولكن هل أنا مع ما تبثه تلك الفضائيات من مضمون يحرض على الآخر ويملأ العقول ببذور التعصب؟ طبعا لا فما تبثه فضائيات الرحمة والناس وغيرها من تعاليم فى يوم واحد كافٍ لأن يعود بنا إلى الخلف 100 سنة على الأقل، ويكفى أن تعرف أن واحدة من ضمن أسباب تعرض الرحمة للغلق هو تلك المحاضرات والبرامج التى لا شغلة لها سوى سب اليهود وكأن النصر وتحرير القدس سيتم بمجرد أن نظهر على الشاشات ونقول هاهم أحفاد القردة والخنازير وحشين وكخة وبيعملوا فينا حاجات وحشة..
كنت أتصور أن هؤلاء المشايخ المطلعين بالضرورة على سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام والدارسين تعاليمه تعلموا منه أن الأصل فى خوض أى معركة هو الإعداد الجيد لها وليس الجعجعة ولكن يبدو أن الكل يستسهل طريق الشتيمة فهو أسهل لهم من أن يزرعوا بالتعاليم الصالحة الشجاعة والقوة والشهامة والقدرة على المواجهة فى نفوس الأبناء والأطفال حتى نحصل على جيل لا يخشى المواجهة ومستعد لها فى أى لحظة، فى عز أوقات الصراع مع إسرائيل وفى الوقت الذى كنت أتخيل فيه أن واجب هؤلاء الشيوخ هو توعية الناس بالقضية، وزرعها فى نفوس الجديد من الأجيال، ومساندة الأخوة فى فسلطين ونصرتهم بالدعاء كانت تفاجئنى وصلات الدعاء التى يطلقها المشايخ فى المساجد وخصوصا فى صلاة الفجر.. يدعو الشيخ بكل شىء.. يدعو بأن يهلك الله الظالمين بالظالمين وأن يخرجنا من بينهم سالمين وأن يأخذ أحفاد القردة والخنازير أخذ عزيز مقتدر وأن يرمل نسائهم وييتم أولادهم ويصيبهم بأمراض كذا وكذا وبراكين وزلازل تأخذ ولا تبقى.. وقائمة أخرى من الأدعية التى لا ذكر فيها على أى دور للمسلمين فقط مجموعة من الأدعية لا يمكن أن تستخلص منها شيئا سوى أن الذين يدعون بها وكأنهم يطلبون من السماء أن تحارب نيابة عنهم..
هذا هو ما فعلته فضائية الرحمة وما تفعله الفضائيات الدينية لا تقدم هذا المضمون الدينى الذى يهدف لبناء شخص قوى أو مجتمع صالح بقدر ما تقدم وعودا بالحلول الإلهية، رغم أن الله فى كتابه العزيز أمرنا بأن نأخذ بالأسباب ونعمل، ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نخوض معاركنا بشجاعة وشرف لا من خلف قوائم دعاء تعتمد على السباب والرغبة فى التشفى والانتظار لما ترسله السماء من حلول..
أعود إلى السادة القراء وردودهم على الأسئلة الخاصة بإغلاق الفضائيات الدينية وإنشاء فضائيات مسيحية.. وسأسرد فورا تلك الإجابات بدون أى تدخل ويمكنك أن تستخلص منها ماشئت من معانى..
- الجارحى بدأ الإجابة برفضه لإغلاق الرحمة ولم يعترض على وجود فضائيات دينية ولكنه طلب ألا تكون على طريقة الوهابيين، وبالنسبة لإنشاء فضائيات مسيحية قال: ولم لا أليسوا شركاءنا فى هذا الوطن فلهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات(نظريا على الأقل).. وختم إجابته أنه لا يشاهد الفضائيات الدينية بانتظام.
- مؤمن صاحب التعليق الثانى جاءت إجابته على عكس الجارحى أيد فكرة إغلاق الرحمة ورفض فكرة وجود الفضائيات الدينية ونفى مشاهدته لها ولكنه أكد على حق المسيحين فى امتلاك فضائيات دينية مسيحية معتمدا على مبدأ (كيف نحرم عليهم ما نحله لأنفسنا) ولكنه اختتم إجاباته قائلا: (أفضل ألا تكون هناك أى قنوات دينية للطرفين فقد أثبتت التجربة خطر هذه القنوات على مصر).
- القارئ محمود مسعود: بالتأكيد لا أوافق على قرار غلق الرحمة فما هى القنوات البديلة التى تعلم الناس أمور دينهم وعقيدتهم الصحيحة إن كان هناك قنوات تعلم الناس آخر أخبار الفن والرياضية والصحافة فمن باب أولى أن يكون هناك قنوات تعلم الناس أمور دينهم.
- نسرين: أنا ضد قرار وقف قناة الرحمة فهى تعلمنا أمور ديننا، إذا كانوا ح يوقفوا قناة الرحمة خليهم يوقفوا قنوات الفيديو كليب اللى هى أكثر خطورة على المجتمع من أى قناة أخرى.
وإن شاء الله مصر هاترجع تحكم بالشريعة الإسلامية بالرغم من أنوف العلمانية.
- مسلم موحد بالله أجاب عن الأسئلة وقال وبكل ثقة ووصفنى أنا الذى لم يفعل شيئا سوى طرح الأسئلة قائلا: أيها الضال.. المسلمون أيا كان وطنهم يريدون الحكم بشريعه الإسلام وعلى خطى النبى العدنان وعلى شرع ربنا.
- سمير أجاب بأنه يؤيد وقف هذه القناة وكل الفضائيات الدينية عموما ومثله عبد المسيح المصرى الذى قال: نعم ففى إغلاقها خدمة للإسلام لأنها للأسف تسىء للإسلام قبل أن تسىء للآخرين.
- أحمد: بالتأكيد أنا ضد القرار لأن أحنا مع حرية الرأى والتعبير حتى مع الاختلاف فى الرأى.. ومافيش مانع من وجود النوع ده من القنوات على الأقل _اشمعنى القنوات الرياضية الكتيرة واللى مالهاش معنى _.وتقدر تقول أنا مابشوفش القنوات دى خالص .وبالنسبة للقنوات الدينية المسيحية مافيش مانع من وجودها المهم أنها ماتبقاش ساحات للمعارك بين الديانات وبعضها وتعمل على التقارب وتهذيب أخلاق الناس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة