د. علاء عوض

رسالة إلى "الجمعية الوطنية للتغيير"

الجمعة، 28 مايو 2010 08:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى تاريج الحركات الاحتجاجية للشعوب على مستوى العالم كانت هناك دائما قضية مركزية للحركات الجماهيرية المختلفة، قضية لها قدرة تعبوية عالية، بحيث تكون قادرة على حشد القطاع الأوسع من الجمهور صاحب المصلحة فى التغيير وراء شعاراتها وأطروحاتها البرنامجية.
إذا نظرنا إلى التاريخ النضالى للشعب المصرى على مر العصور بدءا بثورة القاهرة الأولى والثانية فى زمن الحملة الفرنسية ومرورا بالثورة العرابية وثورة 1919 والنضالات الطلابية عام 1946 ثم الحركة الطلابية من 1968 حتى 1972 ووصولا إلى الحركات العمالية عام 1975 والانتفاضة الشعبية فى يناير 1977 وعصيان جنود الأمن المركزى عام 1986، نكتشف أن القضيتين المركزيتين فى مجمل تلك الموجات الاحتجاجية هما: مواجهة المحتل الأجنبى وتحرير الأرض والثانية هى المطالبة بالعدل الاجتماعى والحق فى حياة كريمة من خلال سياسات عادلة للأجور والأسعار والعمالة.
كانت شعارات الديمقراطية وحقوق التعبير والتنظيم المستقل تأتى دائما فى سياق انتزاع أدوات نضالية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الضغط السياسى، وبمعنى آخر، فإن الجماهير الغاضبة كانت دائما ما تطالب بحقوقها فى تشكيل تنظيماتها وتقنين أشكال الاحتجاج السلمى، كالإضراب والاعتصام والتظاهر من أجل اكتساب أدوات للتعبير عن مطالبها الاجتماعية والوطنية وتطوير أشكالها الاحتجاجية عبر مسيرة نضالية طويلة.
المتابع للمشهد السياسى الراهن يستطيع أن يرصد حالة من الاحتجاج بين فئات بالأساس عمالية من ضحايا سياسات الخصخصة وفئات أخرى من العاملين فى جهاز الدولة بشروط مجحفة أقرب إلى السخرة.
هؤلاء المحتجون يفترشون رصيف مجلس الشعب بالأسابيع وربما الشهور مطالبين بحقوقهم البسيطة فى أجور عادلة وحياة كريمة، وقد بدأت أعدادهم فى التنامى ودخلت الحلبة أكثر من فئة تعلن عن شكواها ومطالبها، فهناك الفلاحون الذين يصرخون من ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعى وسياسات التسويق الجائرة التى يفرضها النظام الحاكم والتقاوى المريضة وغيرها من المشكلات التى تهددهم فى مصدر رزقهم الوحيد، وعلى صعيد آخر، نجد المعارضين السياسيين فى دائرة نخبوية ضيقة يطالبون بإصلاحات دستورية وإجراءات لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
فى تقديرى أن التغيير الذى يحمل إمكانية الخروج من الأزمات المجتمعية الطاحنة هو عملية ذات أضلاع ثلاث لا يمكن أن يتحقق أحدها دون الآخرين، وهذه الأضلاع هى الديمقراطية والعدل الاجتماعى والتنمية.
فلا يمكن للعدل الاجتماعى أن يتحقق دون أن تكتسب القطاعات الفقيرة فى المجتمع، صاحبة المصلحة الرئيسية فى هذا العدل، حقوقها فى التعبير والتنظيم والخبرة السياسية فى الضغط ضد من ينهبونها، كما أنها لن تستطيع حماية ما تحققه حركتها من مكتسبات بدون توافر آليات الممارسة الديمقراطية، والديمقراطية التى لاتستهدف الوصول إلى حياة أفضل وعدالة توزيع الثروة تصبح عديمة الجدوى لمجتمع أكثر من 40% منه تحت خط الفقر.
أخيرا فإن النهضة المجتمعية لا يمكنها أن تتحقق بدون توجه واع ومدروس ومنهجى نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنمية اقتصادية حقيقية تصب عوائدها فى القطاع العريض من الشعب وليس حفنة من رجال الأعمال، وتهدف إلى الارتفاع بمستوى الخدمات العامة كالتعليم والصحة وتفاعل الثقافات والأفكار المختلفة فى المجتمع.
إننى وإن كنت أتفق مع فكرة أن الإصلاح السياسى يمكنه أن يكون مدخلا مناسبا للخروج من الأزمة، فإنى أيضا أرى أن الدعوة لهذا الإصلاح لابد أن تسير بالتوازى مع الدعوة لباقى الأضلاع.
كيف يمكن للحركات الاحتجاجية المتفرقة لكافة فئات المجتمع أن تتطور وتلتقى فى إطار أعم وأشمل دون حصول هذه الفئات على حقها فى تشكيل نقاباتها المستقلة التى تستطيع أن تتبنى مطالبها بدلاً من النقابات الحكومية التى تخلت عن عمالها لصالح المستثمرين الأجانب، والتى سمحت بهذا التصدى الأمنى العنيف لعمال أمونسيتو.
وبالنسبة للفلاحين، فهناك دعاوى لتشكيل اتحاد مستقل يحمل مسئولية التعبير عن مصالحهم ومطالبهم فى مواجهة السياسات الزراعية الجائرة ولابد من إعادة تفعيل هذه الدعاوى والبدء فى إجراءات لتحقيقها.
حق التنظيم المستقل النقابى والحزبى والمدنى هو حق أصيل فى كل الديمقراطيات وهو الآلية الوحيدة القادرة على تطوير الحركة الجماهيرية وخلق تراكم الخبرة اللازم لنضجها السياسى والتنظيمى، ومظاهرة 2 مايو الماضى للمطالبة بحد أدنى للأجور كان من الممكن أن تكون بداية مبشرة لتطوير هذه الاحتجاجات، لاسيما أن نقابة العاملين بالضرائب العقارية، وهى أول نقابة مستقلة فى مصر المعاصرة، لعبت دورا مهما فيها.
الإصرار على خنق الدعوة للتغيير فى نطاق الإصلاحات الدستورية والانتخابية سيجعلها دائما منفصلة عن الجمهور صاحب المصلحة الأولى فى التغيير ويحكم عليها بالدوران فى فلك نخبوى ضيق.
لا أقصد الانتقاد أو الهجوم على شخص أو حركة سياسية بعينها، فنحن جميعا فى مركب واحد ومهمومون بقضايا واحدة، فقط أحاول أن اقرأ التاريخ فى محاولة لاستقراء المستقبل.
لابد أن نحدد القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة فى التغيير والقادرة على صنعه، وعلينا أن نقرر إلى من وكيف نتوجه.
*أستاذ الكبد بمعهد تيودور بلهارس





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة