لا أعرف لماذا تقدم المستشار محمد الحسينى، رئيس مجلس الدولة، ببلاغ للنائب العام ضد جريدتى المصرى اليوم واليوم السابع؟، وما الذى يستند عليه قانونا لمنع النشر؟، وما الذى يمس هيبة القضاء فى نشر وقائع رشوة أو فساد؟، ولماذا نقبل النشر عن الوزراء والصحفيين ورجال الشرطة والفنانين والموظفين وأساتذة الجامعة وعامة الناس ونرفضه بالنسبة لأعضاء الهيئة القضائية؟، ولماذا يسعى القضاة إلى التعتيم على وقائع الفساد التى قد تقع من البعض بالهيئة القضائية؟.
لقد انزعجت بشدة عندما قرأت البلاغ المقدم من رئيس مجلس الدولة، وانزعاجى ليس لأنه يريد المحافظة على شكل وهيبة زملائه فى مجلس الدولة، بل للتعميم الذى سحبه على أعضاء الهيئة القضائية بشكل عام، ودفعه أو تحريضه أعضاء النيابة العامة لمساندته فى موقفه، حيث جاء فى نص بلاغه: "فضلاً عن هيبة هيئتكم القضائية الموقرة، وما ارتأته من رأى تبتغى به الصالح العام"، فهو هنا يخاطب النائب العام أو أعضاء النيابة العامة، ويحثهم على تبنى شكواه، والحقيقة أننى توقفت أمام هذه الجملة عدة مرات، ولم أستطع الخروج بمعنى سوى هذا، فما معنى أن يتقدم بشكوى للنائب العام، ويخاطب النائب العام ويحضه على المشاركة، أو يلفت انتباه النائب العام إلى أن نشر وقائع الفساد ليس فى مصلحة أعضائه، أو أنه يعد النشر انتقاصا أو انتقادا للرأى الذى توصل إليه النائب العام فى هذه القضية، صراحة هذه الجملة شديدة الغرابة، وأظن أن معالى المستشار رئيس مجلس الدولة كان يجب ألا يتضمنها شكواه.
كما أننى أيضا لست معه فى اعتبار نشر وقائع الفساد فى أى هيئة أو مؤسسة ينال من هيبة أو مكانة سائر العاملين بها، فالهيئة القضائية فى مصر لها كل الاحترام والتقدير، وهناك اتفاق عام من طبقات الشعب المختلفة على نزاهة وعدالة أفراده، ولكن مثل أى وظيفة أو مهنة هناك قلة قد تضعف أمام الحاجة أو بسبب التربية أو أمام الضغوط، وضعفها هذا يجب أن يواجه بالقانون، كما يجب أن يعلن لجميع أفراد المجتمع، والإعلان هنا يعد رادعا أخلاقيا واجتماعيا للذين يفكرون فى أن يستسلموا لضعفهم، سواء أكانوا من الهيئة القضائية أو من الصحفيين أو الوزراء أو رجال الشرطة أو من عامة الناس، وأظن أن الإعلان أو النشر عن الجرائم كان معمولاً به منذ مئات السنين، وكان يتخذ شكل التجريس بأن يحمل المدان فى جريمة ما على دابة ويلف به البلدة مع مناد يعلن للعامة عن جريمته والحكم الصادر ضده، كما أن الأديان أخذت بمبدأ الإشهار فى تنفيذ العقوبة، فالقطع والرجم والجلد يتم تنفيذها أمام العامة، فلماذا نسعى نحن إلى التعتيم حول وقائع الفساد متذرعين بالهيبة الذى يخاف على مكانته ومركزه لا يخالف القانون.
نقلا عن الوفد 26-5-2010.