هل أقول لك كما قال أمل دنقل "آه يا زهر لو دمت لنا أو دام النهر، أم أغنى لك مثلما كنا نغنى صغار: "وحبيبى قاللى استنانى استنيتو ولا جاشى" أهكذا يا نجاشى أهكذا يا نيل تريد أن تفعلها معنا ونحن أبناؤك وأحباؤك وهذا ليس عهدنا بك، قديما كنا نفرح بتلك الأيام الأربعين التى يجف فيها ماء الترع لأننا سنعبرها دون أن تبتل أقدامنا، وكنا نسعد معتقدين أننا قهرنا خوفنا من المياه التى تغطى أرضا مجهولة لنا طوال العام كلما زاد عليه الماء ازدادت غموضا ورهبة، كنا نخاف لسعة أحد زواحف الماء، أو جرح قطعة زجاج ألقيت فيها منذ سنين دون أن يبليها الماء.
يا نيل لا يصح العتاب على صاحب الحق، فنحن الذين أخطأنا فى حقك، نحن الذين ألقينا فيك زبالتنا وأخرجنا عليك عقدتنا وتفاهتنا، لست وحدك الذين أهين، فهناك على ضفافك ملايين المصريين يشعرون بالإهانة، ليس لأنك ستنقطع عنهم يوما ما، ولكن لأن هناك ما يسمى باتحاد الكرة المصرى، وهناك روراوة، روراوة الذى ضربنا على قفانا بتواطئ من مسئولى الاتحاد الذين تخاذلوا وأقنعونا أنهم واقفون على ثغور كرامتنا، والذين خسروا ويريدون أن يقنعونا أنهم انتصروا، هل رأيت يوما شخصا يفرح بالغرامة والعقوبة، نحن نفعل هذا.
أنت يا نيل آخر مآسينا وصورة حية لفشلنا الذريع، تركناك تنسال من بين أيدينا، ثم تساءلنا بكل براءة "هو ليه النيل مجاشى؟"، كما تركنا عروبتنا تهاجر مع عقول أبنائنا، أنت يا نيل هدية السماء إلينا أنت من صنعت تاريخنا، وغسلت همومنا وحملت رسائلنا الغرامية بين ضفافك، نتساءل كثيرا كيف ستصير مصر بدونك؟، حينها لن تكون هبة النيل، ولن يكون شكلها على الخريطة مربع جميل يشقه خط أعوج يزيدها جمالا، ستكون مجرد قطعة أرض صماء لا معنى لها.
أعلم يا نيل أنك تعكرت عندما ساءت علاقتنا بالجزائر، واتهمناهم فى شرفهم فاتهمونا فى تاريخنا، ولكن هذا ليس مبررا لأن تجف عنا، وأعلم أيضا أن تتألم من سياستنا الخائبة فى حفاظنا على مياهك، ولكن لا تؤاخذنا يا نيل بخيبة السياسيين منا، إسرائيل هزمتنا والجزائر كرهتنا والعرب يسخرون منا، وأفريقيا تخلت عنا لم يبق لنا حليف سواك، ونحن ليس لدينا عروسا نهديها إليك، ولكننا نستحلفك بكل غال لديك أن لا تتركنا فريسة للعطش، نحن يا نيل تكيفنا مع الجهل وتعودنا على الجوع لكننا لم نتعود بعد على نشفان الريق.