محمد حماد

متى تندمل الجراح بين الناصريين والإخوان؟

السبت، 29 مايو 2010 08:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى حوار منشور أجرته مجلة الغد العربى معى قبل خمس سنوات سئلت عن أبعاد الصدام بين الثورة والإخوان المسلمين فقلت: إنها قضية جديرة بالمناقشة على جدول أعمال لقاء ناصرى إخوانى يستهدف استنباط العظة واستخلاص العبرة من كل ما حدث، والإجابة على مثل هذا السؤال بالاختصار المطلوب قد يخل بأحد هذه الأبعاد أو قد يهمل بعضها الآخر، ولكنى فى العموم أستطيع القول إن الثورة خسرت بالصدام بينها وبين الإخوان، وأن الإخوان أوقعوا أنفسهم فى خطيئة كبرى عندما أسرعوا بالصدام مع الثورة.
وحين سألتنى الزميلة الصحفية ما هو ردكم على ما ينسب لثورة يوليو من جرائم ارتكبت بدعوى حماية الثورة، كانت إجابتى بالحرف الواحد أن هذا السؤال لا يمكن لأحد أن يرد عليه مهما امتلك من حماقة، فالأحمق وحده هو الذى يدافع عن جرائم- كما يقول السؤال- ارتكبت بدعوى حماية الثورة، فالجريمة- فى رأيى- لا تبرر، ولا يجب أن تبرر، ولا يجوز لأحد أن يبررها، وأقول بكل وضوح إن الناصريين مطالبون الآن أن يقدموا اعتذاراً علنياً عن الجرائم التى ارتكبت خلال حكم جمال عبد الناصر فى حق مواطنين، أياً كانت انتماءاتهم الحزبية أو الطبقية أو الفكرية، وغير مقبول- فى رأيى- أن يتقاعس الناصريون عن فعل ذلك بحجة أن بعض القوى المتربصة شراً بثورة يوليو سوف تستخدم هذا الاعتذار العلنى عن تلك الجرائم ضد الثورة، فذلك نوع من العذر أراه أقبح من الذنب، لأن أعداء الثورة لم يدخروا وسيلة إلا استغلوها ولم يبخلوا حتى فى اختراع أسباب ووسائل يهاجمون بها عبد الناصر.
توخيت أن افتح الملف الذى تجده على مكتب كل واحد من المنتمين إلى التيارين ومع ذلك لا يريدان فتحه، ويتركان أوراقه تظهر عند كل نقاش فتفسده، وكم كانت سعادتى كبيرة وأنا أتابع تفاصيل زيارة وفد الإخوان المسلمين إلى مقر الحزب الناصرى مؤخراً، ومن ثم صدور بيان مقتضب اتفق فيه الطرفان على عدم الالتفات إلى ماضى الجراحات بين التيارين، وتثبيت النظر إلى المستقبل، والبناء على هذا الأساس لعلاقة أكثر تطوراً وفاعلية بين الجانبين.
ثم توقف الحوار من بعد، ولم أسمع عنه لا من قريب ولا من بعيد، كأن شيئاً لم يكن، ما جعلنى أحاول مجدداً إعادة القضية على بساط النقاش العام وأسجل فى هذا الخصوص عدة ملاحظات أضعها تحت نظر الجميع لمناقشتها:
ـ إن القيادات الشابة فى الحركة الإسلامية تعى أكثر من القيادات القديمة أهمية التواصل بين القوميين، وفى القلب منهم الناصريين، وبين الإسلاميين، وفى القلب منهم الإخوان المسلمين.
ـ هناك مشكلة حقيقة متكررة فى التيارين الكبيرين على الساحة العربية أنه يوجد فى الطرفين تطرفاً يصل إلى حد جعل الخصومة بين التيارين خصومة مستديمة لا حل لها إلا بتصفية طرف للطرف الآخر.
ـ هناك قصور مشترك فى الطرفين على مستوى الطرح الفكرى هى عند الناصريين والقوميين عموماً البعد الذى يختص بالهوية والتى لا يمكن فصلها فى وطننا العربى عن الإسلام بأى صورة من الصور، إذا أردنا أن نكون موضوعيين، وهى عند الإخوان أنهم لا يتبنون موقفا نظرياً من قضية العدل الاجتماعى ويصطفون مع سياسات الحكومة أكثر من المعارضة، خصوصاً فى الجانب الاقتصادى الاجتماعى.
ـ وجود قيادات قديمة فى التيارين يجعلهما مكبلين إلى الماضى أكثر من تطلعهما إلى المستقبل ويجعلهما أكثر ارتباطاً بالتجارب السلبية بين التيارين منها إلى تجارب يمكن أن تصنع مستقبل التعاون بينهما.
ـ النظام الحاكم يتعامل مع كل قوى فى لحظة تصاعدها بتسكين الصراع مع القوى الأخرى ليحيدها أو يكسبها إلى جانبه فى مواجهة القوى التى يتواجه معها، وهو الآن يفعل ذلك مع الإخوان، ويستخدم قوى يسارية فى معركته المفتوحة معهم، والإخوان يقدمون وقوداً حيوياً لتأجيج الخلافات البينية مع تيارات المعارضة غير مدركين لقواعد اللعبة التى يلعبها النظام، أو مدركين لها ويتعاملون معها بقصد تعظيم الفائدة منها، أو التلاعب مع أهل الحكم من وراءها.
لست أسعى إلى حوار فكرى، ولكنى أسعى إلى حوار سياسى حول قضية التغيير، وهى قضية عاجلة يرتبط بها مباشرة النظر إلى أوضاع القوى المرشحة لقيادة التغيير، وفى نظرى وقد أكون مخطئاً، أن التيارين المرشحين لقيادة التغيير على الصعيد العربى عموماً وفى مصر خصوصاً هما التيار الإسلامى والتيار القومى بكل أجنحتهما، ولكم كانت سعادتى مضاعفة حين قرأت من مدة مقالاً لمُنظِّر الجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم رأى فيه ضرورة مراجعة موقف الإسلاميين من جمال عبد الناصر، وقال بالحرف أن الرئيس عبد الناصر لم تكن له خصومة مع الإخوان من قبل، بل إنه حل كل الأحزاب والتنظيمات السياسية، وأعاد جماعة الإخوان لمشروعيتها القانونية وبهذا أعطاها قبلة الحياة من جديد بعد سنوات عصيبة، وذكَّر بأن حادث المنشية هو محاولة حقيقية لقتل عبد الناصر، وأن النظام الخاص وهو الجناح العسكرى للإخوان قام بذلك فعلاً، وأن كل ما يقال عن إنها تمثيلية يعد انطلاقاً من نظرية المؤامرة التى نسبت إلى الحكومات والمخابرات المصرية أيضا قتل الذهبى وقتل السادات وأحداث الفنية العسكرية وغيرها.
عندى أمل كبير فى أن تنفتح أبواب الحوار واسعة لكى نستطيع أن نتطلع إلى المستقبل بعيون يملؤها الأمل فى قدرة شعبنا على التغيير.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة