أنت وأنا والناس التى تسير بجوارنا فى الشوارع سلمنا ورفعنا الراية البيضاء، كل ما نفعله هو انتظار من يأتى ليتخذ القرارات بالنيابة عنا، من يأتى ليحصرنا بين جدارين إما هذا أو ذاك، أو إما أن نتقبل بهذا أو تخبط رأسك فى الحيط، أما فيما يتعلق بمسألة حرية الاختيار، فكل ما نعرفه أن أستيكة ما قد مرت فوق هذه الكلمة ودهستها ثم شطبتها من قاموس المصريين، ومن يومها لم يعد للاختيار مكان فى حياتنا، على طول الخط أنت مجبر وإن تم تخييرك، فأنت مضطر للاختيار من بين بديلين تم تحديدهما مسبقا دون مشاركة منك، الأزمة فى الماضى كانت فى الديكتاتورية التى تدفعك دفعا للاستجابة والصمت على ما تختاره هى وأنت تعلم ذلك بالضرورة، وإلا بماذا تفسر لى صوتك الذى تضعه فى صندوق الانتخابات للمرشح المستقل فتجده بقدرة قادر قد ذهب لمرشح الحزب الوطنى، أو صوتك الذى يدخل صناديق الانتخابات الشفافة فى أوقات الاستفتاءات الرئاسية وهو يقول " لا" فيخرج منها لوسائل الإعلام وهو يقول "نعم"، الأزمة فى الماضى كانت تتلخص فى أن السؤال الشائع كان.. أنت معانا ولا مع التانيين؟ أم أزمة الآن فهى أخطر بكثير لأنه لم يعد هناك تانيين، شطب نظام الرئيس مبارك كل الاختيارات بأستيكة وترك اختيار واحد، وبالتالى لم تعد هناك إجابة على السؤال سوى أنك مجبر بالطبيعة أن تكون مع الطرف الوحيد الباقى.
انظر إلى أى انتخابات بداية من انتخابات الشورى التى نعيش تفاصيلها الآن حتى انتخابات الفصل لكى تدرك كيف اختفى سؤال "أنت معانا ولا مع التانيين؟"، الانتخابات بشكلها الحالى مجرد نموذج لحال البلد بشكل عام الذى كلما ظهر أحدهم ليصرخ فى وجه الرئيس كفاية، ويسألوه عن البديل، يتلعثم ويظل ينقب فى باطن الأرض ثم يقول أى حد، فى لعبة لا تتم إلا بوجود أسماء واضحة ومحددة وصريحة قادرة على المنافسة والصمود، وليس تلك الأسماء التى أدت ببراعة التمثيلية الهزلية فى انتخابات 2005، وهذا البديل الذى أقر الدكتور نظيف باختفائه وعدم وجوده فى زلة لسان أن واثق أنه لن يكررها ولن يقولها لو عاد به الزمن إلى الخلف قليلا ليس سوى دليل على أن الرئيس – أى رئيس- فشل فى توفير جو من الديمقراطية ومنح المساحات لشخصيات من حقها أن تكون فى الصورة، فمن حق أهل مصر أن يجدوا تلك المنافسة التى تعلو بشأن كل الأمم، أن يجدوا من يمنحهم تلك المميزات التى فشل الآخر فى تحقيقهم، أن يجدوا برامج عمل مختلفة يختارون من بينها من يجدوه الأنسب للمرحلة، لا أن يكونوا مضطرين إلى اختيار الرئيس مبارك لأن مفيش حد غيره.
الغريب أن ظهور البدائل فى أى معركة انتخابية داخل مصر لا يعنى بالضرورة إتاحة فرصة الاختيار للناخبين بقدر ما يعنى إتاحة الفرصة للعالم كله أن يشاهد معركة ضارية غير شريفة تبدأ بالتشهير وتنتهى بالسنج والمطاوى وأحيانا بقنابل الملوتوف مثلما حدث فى حزب الوفد، حينما ظهر لنعمان جمعة محمود أباظة كبديل، أو كما حدث فى نقابة المحامين حينما تحولت المعركة الانتخابية بين سامح عاشور وحمدى خليفة ورجائى عطية إلى معركة تشهير بالزمم وتشويه للسمعة، وضاع فى وسط الشتائم حق المحامين فى انتخاب نقيب قادر على تحقيق مطالبهم أو تحقيق أى تغيير.
قد يكون للحوادث السابقة معنى واحد للأسف، هو عدم قدرة المصريين على إدارة معركة انتخابية ديمقراطية بشكل سليم يحقق مصلحة الناخب أولا، على اعتبار أن وجود متنافسين يضع أمام الناخب عدد من الاختيارات والمميزات التى تحقق فى النهاية مصلحة البلد أو الكيان الذى تدور فيه الانتخابات سواء أكان نادى أو شركة أو نقابة أو دولة، التاريخ الطويل لتزوير الانتخابات وتقفيل الصناديق والبلطجية أحدث دون وعى حالة من الخلل فى العقل الانتخابى المصرى وحول المنافسة الديمقراطية إلى معركة وجعل من المرشحين خصوما وأعداء، ودفع كل رئيس أو مسئول دون أن يدرى إلى تجفيف كافة المنابع التى قد يظهر له منها شريك أو منافس أو حتى أى متطلع للرئاسة، ومع مرور السنوات خسرت مصر صفا ثانيا كان من المفترض أن يكون مستعدا لخوض المنافسات، أن يكون البديل لأولئك الذين ظنوا أنهم فقط الأصلح!
ولكن هل يعنى ذلك أن البلد بلا بدائل؟ الواقع لن يجيبك على هذا السؤال سوى بنعم، والدليل تلك الحالة من اللخبطة التى تصيب المعارضة المصرية كلما سألهم أحد إذا كنتم لا تريدون مبارك فمن هو البديل؟ هذه اللخبطة تتجسد فى عدم تحديد أسماء واضحة ليتم تصديرها للناس بشكل جيد، بدلا من سيل الأسماء الذى يتم طرحه فى محاولة للتأكيد على أن البلد مازالت قادرة على الإنجاب، دون أن يضع هؤلاء المتبرعون بطرح هذه الأسماء كبدائل فى اعتبارهم حالة التشتت وعدم الجدية التى تسببها الأسماء الكثيرة التى يأتى أغلبها غير مطابق للمواصفات التى تم تعديلها فى الدستور مؤخرا، هذا بخلاف تبرع النظام نفسه بحرق هذه الأسماء سواء بتجهيلها أو تحييدها أو نفيها مثلما حدث مع كل شخصية برز اسمها كبديل رئاسى بداية من عمرو موسى ومرورا بأيمن نور وأحمد زويل وانتهاء بالدكتور البرادعى، ورغم كل ذلك فإن مشكلة البديل الحقيقية ليست فى مطاردة أصحاب الكراسى له، أو تضييق الخناق عليه أو فى عدم وجوده من الأصل بقدر ما هى فى تلك الثقة المفقودة من الجمهور فى شخصه بدليل أن أغلب المصريين على قناعة من أن رحيل الرئيس مبارك من القصر الرئاسى قد يعنى بداية لمرحلة من الفوضى لا تنتهى، مثلما يقتنع جمهور الأهلى تماما أن رحيل أبو تريكة عن الفريق يعنى الحصول على المركز الأخير فى جدول الدورى..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة