لا توجد مشاكل فى مصر، لا غلاء أو فقر أو بطالة، وإنما الأمر فقط يرجع لاختلاف المنظور بين أنصار النظرية «الشعبوية» وأنصار النظرية «الهيئوية». أحدث نظريات تفسير الأوضاع.. وخلاصة أفكار خبراء «الهيئوية»، وعليه يجب على المواطن أن يكذب نفسه وألا يصدق عينيه وأنفه ويده وراتبه، والأسعار. ويصدق الحكومة، عندها فقط يمكن أن يشعر بالسعادة، ويعيش فى تبات ونبات.. صحيح أن كل ما يجرى ويدور على أرض الواقع وأرض الملعب يؤكد أن الوضع صعب، وأن الاقتصاد المصرى وأخيه المواطن المصرى ليسا فى أسعد حال. لكن المطلوب بصراحة هو إعادة النظر إلى الأمور من منظور آخر.. لأن الاستناد إلى العين أو الأذن أمر خادع، طبقا للنظرية الهيئوية التى تهيئ للإنسان أنه ليس هكذا.
وتستند النظرية إلى ضرورة الاطلاع على كتاب الإنجازات الحكومية، الصادر عن الهيئة العامة لبيان الحكومة، ويجد فيه المواطن ما يسره، حلولا مريحة لكل المشاكل، فرص عمل وأسعارا رخيصة، وبنية أساسية، ومليارات الجنيهات لا تجد من يصرفها، كل هذا فى الفصل الرابع من الباب الثالث من وراء الباب لكتاب الإنجازات. وإذا نظر المواطن إلى الإنجازات يمكنه أن يصاب بالتفاؤل التام، وينطلق إلى آفاق أكثر رحابة، ومن الطبيعى أو الصناعى أو الدائرى أن يختلف الواقع، عن الإنجازات الافتراضية، ومع هذا يجب ألا يظل المواطن يشكو، لأن كثرة الشكوى تدفع إلى الإحباط والترهل. وحسب النظرية «الشعبوية» لصاحبها الدكتور شعبان الشبعان، فإن مصر ليس بها مشاكل تذكر، وأن المشكلة التى تعانيها البلاد ليست فى الفشل الحكومى، وزيادة البطالة والقرارات العشوائية، والفساد، وإنما السبب هو المحاولات التى يبذلها «بعض المتشعبطين فى الشعب، لاستغلال هذا الشعب، فى الإضرار بمصالح الشعب»، بمعنى أن كل من ينتقد الحكومة يحاول استغلال أو تهييج الجماهير والشعابين، وأن هؤلاء «المهيجين الشعبولائيين» يضرون الشعب، ويزرعون الإحباط فى براثنه.
لأنهم يطالبون بحقوقه دون واجباته، وإذا كان المواطن يطالب بالطعام والشراب والعلاج، فكل هذه المطالب أمور شعبوية لا تتفق مع المنظور الاستراتيجى الذى تقدمه الشعبولائية، التى تكشف عن أن ما يراه الناس وما يقوله الخبراء من انتقاد للسياسات، ناتج من اختلاف المنظور، والمنشور الثلاثى لألوان الطيف، وحسب القانون المدنى الفرنسى فإن المثلث ليس إلا مربعاً، ومن لا يصدق فعليه أن يسأل الدكتور «شعبوى الاستاتيكى»، الذى يرى أن الواقع أفضل من الخيال، والافتراضى خير من الاستاتيكى، والعشوائى خير من سؤال اللئيم.. طبعاً.. فالتفاؤل خير من التشاؤم، والتفاضل ابن عم التكامل، بعد أن أعلن الدكتور نظيف أن الأداء الاقتصادى يتجه نحو الأحسن، وأن وكل شىء يسير حسب الخطة الموضوعة.. وعلى الجميع الانتظار صفا واحدا موازى للرصيف.