أنا من بين هؤلاء الذين مازالوا يكتبون بالورقة والقلم، ويقرأون الصحف حتى تسود أيديهم، ويحملون أرقام الهواتف فى نوتة صغيرة فى حقائبهم.. وتلخيصاً أنا واحدة ممن يكاد الزمان أن يبتلعهم.. ولذا قررت منذ أسابيع أن أضيف إلى عاداتى البحث فى عالم أرحب حتى لا يبتلعنى الزمان أو بعبارة أدق ألا أكتفى بقراءة الصحف من جانب واحد وهو كُتّابها، ولكن أن أقرأها من خلال قرائها.
فالصحف التى تصدر فى مصر أو أى بلد فى العالم تعبر عن وجهة نظر من يكتبون فيها، وهم بالقطع يعبرون عن قطاعات كبيرة من الشعب لأنهم بعض منهم، ولكن ظلت المعادلة ناقصة إلى أن اكتملت الصورة أو الدائرة بظهور الصحف على الإنترنت، مما سمح بمعرفة رأى القارئ الذى يمثل نصف الدائرة الناقص حين تقرأ الصحف الورقية.
وكأن هم قراءة الصحف لم يكن يكفينى فأضفت هماً على هم حين تابعت ما يكتبه القراء على اختلاف الموضوعات المطروحة من سياسة إلى اقتصاد إلى فن أو ثقافة وحتى جريمة أو غيرها، هايد بارك مصرى عربى.
لا أستطيع الزعم أنى أملك مقياس حرارة دقيقا للمجتمع المصرى، ولا أستطيع أن أؤكد أننى تعاملت مع كل المكتوب بحرفية باحثى الظواهر المجتمعية من تحليل مضمون وقياس الرأى، وغيره من الأساليب العلمية، ولكنى تأملت عالماً رحباً فوجدته قد ضاق بمن فيه.
وجدت عدة ظواهر متكررة فى كل ما هو مكتوب:
1 - طالت ألسنة الشعب المصرى كتابا وقراء، ولم نعد أصحاب اللسان الطيب الذى اعتدناه، لغة الخطاب تدنت فتساوت الرؤوس ما بين كاتب وقارئ، وحاكم ومحكوم، وميدان وشارع أو حارة، تدنت لغة الشارع فانساق الإعلام والصحافة إليها لينقلوها، فصارت سمة الجميع.
2 - ضاقت الصدور عند الاختلاف فصرنا جميعاً متطرفين دون استثناء، فمن كرة القدم إلى المعارضة السياسية أو الحكومة إلى الخلافات الدينية حتى عند الحديث عن الفن فهناك المتطرفون تجاه الفن النظيف وآخرون فى اتجاه الفن الأبيح أو القبيح، كل فريق من هؤلاء صار كأنه جيتو أو مجتمع مغلق على أصحابه، كما هو حال اليهود فى أى بلد عاشوا فيه.
3 - صرنا مجتمعا أصم لا يسمع فيه أحد الآخر، فكأننا بدلنا حالنا عما خلقنا الله الذى حبا الإنسان بأذنين ولسان واحد ليسمع أكثر مما يتكلم، فرحنا جميعاً نتكلم بل نصرخ ولا نسمع.
شوارعنا، مقاهينا، محالنا، إعلامنا.. كلها تشير إلى شعب أصم يتكلم ولا يسمع.
الحكومة تغلق أذنها عن سماع من يعارضها، وتكتفى برجالاتها وصحفها وأدواتها، فلو جلست لأى مسؤول رسمى، وكم جلست إليهم، فستجده يحدثك دون أن يسمع أو حتى يعى قسمات التعجب على وجهك مما يتحدث فيه من أن كل شىء تمام.
أما المعارضة فهى على الطرف الآخر من الصمم العام لا تسمع إلا صوتها تلطم الخدود وتشق الجيوب، ولا ترى إلا السواد، وفيهم الفساد كما فى الحكومة ولكنه مستتر، فالأزمة طالت الإنسان المصرى والحكومة والمعارضة حتى النخاع!!
4 - الدين أو بتعبير أصح صار مظهر الدين من كلمات ولباس نتحدث عنه، كلمة دائماً بين قوسين كلما تحدثنا عن أى شىء، فقد تجد مقالا سياسيا ما منشورا وبدون مناسبة تجد كلمات محشورة فيه مثل «إن ينصركم الله فلا غالب لكم» صدق الله العظيم، دون مناسبة ونجد أبوابا باسم متدين فى دنيا الفن، أو كما فى مجلة فنية تجد فى باب الفن رسالة تستفتى المجلة شيخا من دار الفتوى حول مشهد فى عمل فنى، أى والله هذا يحدث، وفى المقابل تجد تعليقات القراء دون مناسبة تُدخل الله ورسوله والدين وأهله فى كل تعليق حتى فى الطب والاقتصاد والفن.
وعجباً.. فعلى قدر ما تزيد المآذن فى مصر ويصرخ الأقباط طلباً لزيادة الكنائس وتغطى النساء رؤوسهن ونودع بعضنا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ورغم كل هذا وأكثر فإن الأخلاق فاسدة والعمل أفسد.
5 - مازلنا نملك بعضاً من خفة الظل برغم كل ما فينا، والسخرية من الأشياء حين يضيق بنا المنطق عن الاستيعاب، فكم تضحكنى كتابات وأكثر منها تعليقات، ولكنه أحياناً ضحك كالبكاء.
وليس فيما سطرت سابقاً كما سبق أن ذكرت استقصاء علمى أو دراسة قائمة على منهج بحثى، ولكنها مجرد انطباعات أو حتى مشاهدات، لحديثة عهد بالاتصال الإلكترونى الصحفى، وليس فيما كتبت إلا ما رأيت وقد يكون لا شىء فيه حق، لأننى مصرية فيها ربما من كل ما قلت جزء.. ربما!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة