"سأنشر صور عائلتى لتشعروا بمأساتى"، هكذا قالت والدة الطفلتين القتيلتين فى قرية كترمايا بلبنان، والتى شهدت مقتل الجدين للطفلتين، وعلى أثر ذلك تم قتل الشاب المصرى محمد مسالم، ثم التمثيل بجثته.
قالت الأم كلماتها وفى إدراكها، كم كان نشر صورة محمد مسالم وهو معلق على عامود كهربائى قويا فى تأثيره، فقررت أن تتبع نفس النهج.
الصورة التى أمدت بها الأم وسائل الإعلام، فيها أمنة وزينة، طفلتان جميلتان، وحين تشاهدهما وابتسامتهما البريئة على وجهيهما، ستدعو لهما بالرحمة ولأمهما بالصبر، وتتساءل هل كان نشر صورتهما قبل مقتل محمد مسالم، والتنويع فى حكايات عن طفولتهما بما تحمل من براءة، سيؤدى إلى كسب جولة التعاطف من تلك الصور التى تم نشرها لمحمد مسالم؟
ربما يبدو السؤال فى غير محله، من زاوية أن التمثيل بجثة القتيل أمر ترفضه الإنسانية، وكل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية، لكن القصة هنا تتعلق بقدرة الصورة الصحفية على الإثارة عامة، وسرقة المشاعر خاصة، ووضعها أحيانا فى غير موضعها.
قبل نحو عامين أو أكثر، تسربت صور الانتهاكات الفظيعة من جنود الاحتلال الأمريكى للمعتقلين العراقيين فى سجن أبو غريب، وشملت اعتداءات جنسية على المعتقلين، وانتهاكات أخرى بشعة، واهتز العالم كله وأثبتت الصور أن الاحتلال لم يذهب إلى العراق لتحريره كما زعم، وإنما لإذلاله..
كانت الصورة هى أصدق أنباء من كل الكلمات، وكان المصور الذى التقطها أقوى تأثيرا فى الضمير الإنسانى من أى تبريرات قالها الرئيس الأمريكى وقتها جورج بوش للاعتذار عما حدث، وكانت الكاميرا التى التقطتها هى الآلة التى أثبتت فى هذا الموقف، أنها أقوى فى التأثير من الطائرات والصواريخ والمدافع وكل الآلات الحربية، ولعلنا أيضا لا ننسى كما فعلت الصورة من تأثير حين نقلت إلى العالم كله وحشية الاحتلال الإسرائيلى، وهو يقتل طفلا فلسطينيا بريئا هو محمد الدرة رغم استغاثات والده، انتقلت الصورة وقتها إلى العالم كله فانتقل التعاطف فى لحظات إلى الفلسطينيين، مما اضطر إسرائيل إلى الإنفاق كثيرا للقضاء على أثر ما حدث.
رغم اختلاف المقامات فى المقارنة بين ما حدث مع محمد مسالم فى كترمايا، وما حدث مع العراقيين فى سجن أبو غريب، وما حدث فى فلسطين مع محمد الدرة، إلا أن الصورة تبقى هى كلمة السر فى تهييج المشاعر، وأظن أن هذه القضايا لو تم الحديث عنها دون نشر الصور لفقدت نصف تأثيرها على الأقل، وهو ما يدفعنى إلى طرح السؤال: هل كانت الأم اللبنانية رنا أبو مرعى ستكسب جولة التعاطف لو قامت بالتوسع فى نشر صورة طفلتيها القتيلتين، قبل أن يتم نشر صورة محمد مسالم وهو معلق على عامود كهربائى؟ سؤالى لا ينفى أبدا رفضى المطلق لما حدث لمحمد مسالم، بقدر رفضى المطلق لمقتل الطفلتين آمنة وزينة وجديهما.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة