أسوأ نكتة سياسية تلك التى تعتبر قانون الطوارئ موجه إلى النخبة السياسية المعارضة، فهو فى الحقيقة وعلى أرض الممارسة الفعلية موجه إلى عموم المصريين وأكثر المضارين منه هم الناس العاديين، الذين يمكن أن تجدهم فى كمين شرطة ليلى وتجرى بهدلتهم تحت سقف قانون الطوارئ، وفى حمايته، بل وباسمه فى كثير من الأحيان.
حين يقول الضابط، قائد الكمين، لأى شخص لا يعجبه منظره إحنا فى حالة طوارئ وأقدر اعتقلك حالا باسم الطوارئ.
فى كل مرة يعاد فيها تجديد العمل بقانون الطوارئ يكاد أهل الحكم فى مصر يحلفون على النعمة الشريفة أن القانون لا ولم يطبق على السياسيين ولا هو مقصود به كبت الحريات العامة، وتكبيل الحركة السياسية الشرعية، وأنه معمول خصيصا لتجار المخدرات ولمواجهة الإرهاب.
ولأننا عايشين فى مصر ونعرف ما يجرى فيها والناس كلها شاهدة أن السادة تجار المخدرات لا يطولهم قانون الطوارئ، إلا إذا وقع واحد منهم، فلا يلومن إلا نفسه، ولكنهم فى العموم بعيدون عن أيدى العقاب، وتجارة المخدرات إن لم تكن قد ازدهرت فى ظل قانون الطوارئ، فهى على الأقل لم تتراجع، وبقيت محافظة على مسبة عالية من التواجد فى السوق بأنواعها المختلفة، وتزايدت على مدار الثلاثين سنة الماضية نسب المدمنين للمخدرات، ولم تتناقص، وتصاعدت أرباح تجار المخدرات وأصبحت بالمليارات، ونشأت حولها تجارة أخرى هى تجارة غسيل الأموال، فى البنوك وخراج البنوك فى أنشطة اقتصادية غريبة، ولقد لفت نظرى بعض من كان لهم علاقة بقضايا غسيل الأموال فى السابق إلى ظاهرة انتشار محلات ذات نشاط محدد، ومعظمها محلات باهظة الأثمان، ويصرف على ديكوراتها سنوياً ملايين الجنيهات، وكلها واجهة تجرى من تحتها عملية غسيل أموال التهريب والمخدرات وما شابه ذلك من أموال حرام.
وإذا قلنا إن قانون الطوارئ حدَّ من نشاط الأحزاب السياسية فلم نجد أحداً من المنصفين والجادين يرفض هذه النتيجة التى ترتبت على استمرار العمل بقانون الطوارئ بدون انقطاع طوال الثلاثين سنة الماضية.
وإذا قلنا إن نشاط تجارة المخدرات حافظ على الأقل على وتيرة متصاعدة، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وأن قانون الطوارئ لم يفعل شيئاً ذا بال حيال تنامى الظاهرة واستمرارها، فإننا نضمن موافقة المتابعين وذوى العلاقة بشأن محاربة تجارة المخدرات.
وإذا قلنا إن ظاهرة الإرهاب انحسرت موجاته من مصر قبل انقضاء عقد التسعينيات من القرن الماضى، فلن يمارى فى ذلك أحد موضوعى، خاصة وأن الدولة بكافة أجهزتها نجحت نجاحاً معترفاً به فى الداخل والخارج فى ضرب موجة الإرهاب فى الصميم، وأنها تكاد تكون اقتلعت جذوره، خاصة بعد المراجعات الفكرية التى بادرت إليها الكثير من الجماعات والتنظيمات التى رفعت السلاح فى وجه المجتمع لأكثر من عقدين من الزمن، وأن الأمر كما يقول خبراء الأمن أصبح تحت السيطرة.
لم يعد هناك أى حالة تستوجب مد حالة الطوارئ، إلا إذا كانت مظاهر الحراك السياسى، التى تتزايد كل يوم، هى التى تقف وراء عزم السلطة على مد العمل مجددا بقانون الطوارئ لثلاث سنوات أخرى، فتعالوا نتفق على أن النظام الذى يخاف من مظاهرة نظام ضعيف، والسلطة التى ترتجف من الهتافات سلطة مهزوزة، وهو إعلان عن العجز أن تجتمع كل هذه القوات من الجنود والضباط والضابطات بالملابس العسكرية وبالملابس المدنية ليواجهوا مظاهرة مدنية ليس فيها غير هتافات، مهما اشتطت حماستها ومهما علت أصواتها، وهى مهما طالت ساعة وتنتهى، ولكن سيكولوجية النظام حين يواجه مصيره هى التى تدفعه إلى التعامل مع المظاهرة كمن يهش ذبابة تؤرقه فيرش على وجهه مية نار.
وكذلك فالنظام الذى يتعلق مصيره بمصير قانون الطوارئ، هو نظام طارئ، ولا يجوز له الاستمرار، ومع ذلك أقول إننى مستعد للموافقة على مد العمل بقانون الطوارئ لسنة واحدة بشرطين: الأول هو الإفراج الفورى، وقبل مد العمل بقانون الطوارئ، عن جميع المعتقلين طبقاً لهذا القانون والمحكومين بمواده الذين أمضوا فترة العقوبة أو ثلثيها، وذلك من غير المسجلين خطر، والمتهمين فى قضايا تجارة المخدرات، والشرط الثانى أن ينص فى القانون على أنه لا تسرى أحكام هذا القانون على كل القضايا التى تتعلق بحرية إبداء الرأى بكل السبل الدستورية والقانونية، ولا تلك التى تتعلق بالحريات والحقوق العامة المنصوص عليها فى الدستور والمواثيق والعهود الدولية التى وقعت عليها مصر.
ساعتها فقط يمكن أن نصدق أن القانون ليس موجهاً ضد حرية الرأى والتعبير، وأنه لن يكون لتكبيل الحريات وتكميم الأفواه والحجر على الحركات والأحزاب السياسية.
صابر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة