حنان مفيد فوزى

«الكيّادين».. حصرياً

الخميس، 10 يونيو 2010 02:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مدهش ومسيل للدموع إلى حد جفاف الينابيع، ومُحرض ومنشط للقهقهات إلى درجة الإغماء الجماعى، أمر هؤلاء السادة الكُتَّاب الشبان الأفاضل المنتشرين فى صحف المعارضة أو المهادنة أو المحايدة (قومية حزبية خاصة) الذين صاروا فى يوم، وربما شهر وجايز سنة، جنرالات فى الكتابة والنقد الفنى أو الرياضى أو السياسى (أو كله على كله ولو اتفرست أوعى تقوله) يتخذون من زواياهم اليومية أو الأسبوعية تحت بند مقال، عمود، صفحة، قاعدة مدفعية لإطلاق قذائف السب والتحقير والتنكيل كما يلذ لهم، وذلك فى حال عدم وجود سابق مصلحة بين الكاتب الشاتم والمصدر المشتوم، أو لفشل الشاتم فى العثور على المشتوم لتفعيل مصلحة ما، أو حتى بغرض الإطاحة بهذا المصدر لمصلحة مصدر آخر يشكل أهمية بالغة وغلاوة بالنسبة لصاحب دكان شحاتة الصحفية.

واعذرنى عزيزى القارئ لكثرة الاستعانة بالـ أو... أوات لحصر العدد اللمونى. الغريب بأه أن هذه القاعدة المدفعية ذات نفسها قد تتحول صباح اليوم التالى أو الأسبوع المقبل إلى مائدة مفاوضات «على أساس ندوة صحفية» لجر رجل المصدر اللى عليه الطلب للالتفاف إلى كاتب المقال أو التحقيق والبحث عن أرقام محموله لمناقشته فيما كتب باللين والهوادة والمحبة والإخوة، وإقناعه بكل الطرق والكبارى بأنه تسرع فى حكمه بدليل.. كيت وكيت مع تمرير كم لا بأس به من المبررات اضطرته لقبول العمل الفنى الفلانى رغم تدنيه للتواجد على الساحة، أو الانتقال إلى النادى الرياضى العلانى لتأمين مستقبله قبل بلوغه الأربعين، أو أصداره للقانون السياسى الترتانى للمصلحة العامة بند طوارئ لتبدأ بعدها علاقة وثيقة مشبعة بالسلامات والتحيات والأحضان والقبلات فى المناسبات الاجتماعية العامة (زفاف عزاء إفطار أو سحور رمضانى حفل تكريم مهرجان توزيع جوائز مؤتمر أو حتى وقفة احتجاجية) يوازيها علاقة وطيدة متبادلة الخدمات والدعوات والسفريات وبَدل السفر، لتغطية الأخبار أو للتغطية على الأخبار.

وهكذا يصبح لكل كاتب أو مشرف أو ناقل للأخبار جيش من المصادر ذات الأسماء الرنانة فى جميع المجالات بسياسة الإرهاب والوعيد، فيتحول هذا المختفى خلف سطوره إلى نجم مجتمعى يهرول إليه الكثيرون كسباً لصداقته أو كفاً لشره، فى حين لا تلتفت هذه المصادر المشتومة للكتاب الشرفاء أصحاب الأبواب الثابتة، والمواقف الثابتة، والآراء الثابتة، التى لا تبحث عن ضجة لإثارة الانتباه لأنهم كيان ناجح ومُحقق منذ الأزل، ولا يعنيهم مجالسة هؤلاء الطالعين فى المقدر آخر حاجة، لأنهم أقزام فى نظرهم ولا يرتقون إلى مستواهم، وهم الذين عايشوا الصفوة وتزاملوا مع العظماء، ولا هم أيضاً فى حاجة إلى خدمة أو واسطة أو شِلة أو حَطَّة من هذا أو ذاك، لأن غدة الاستغناء عندهم لا تزال تعمل بكفاءة، وليست فى احتياج لتنشيط إفرازها أو تثبيته. والفضل يعود إلى تدفق دماء الكبرياء فى عروقهم بانتظام، الأمر الذى يتخذونه كمنهج حياة، حتى لو تمرمغت الحياة نفسها تحت أرجل الكراسى الموسيقية.

فالشرفاء حين يستنكرون أمر ما، فهو لأنه متدنٍ بالفعل، وحين يُعلوّن قيمة موقف ما، فهو لأنه يستحق التقدير والاحترام. المسألة عندهم محسومة لصالح أمانة القول ونزاهة التقييم، وليست بهدف كم الأصوات للحصول على شعبية مزيفة، وهو الأمر الذى يحترفه الكتاب المجندون، وينضم إليهم حفنة من الإعلاميين أصحاب منابر الصراخ والعويل اليومى الذين لا هم لهم سوى اصطياد الضيوف الأعلى أجراً، والأقوى نفوذاً، لتحقيق خاصية الآنفراد؛ كيداً فى البرامج المنافسة من جهة، ومن جهة أخرى تطبيقاً لمبدأ (حصرى) المتداول بين السلطات المسائية حالياً وبنطاح ساحق، ومافيش مانع من توجيه الاتهامات على الهواء مباشرة للنيل من سمعة فلان الفلانى لضمان سرعة استجابته للحلول ضيفاً على البرنامج مساء اليوم التالى.
ويسألونك عن الإرهاب، فقل العيب فينا يا فى حبايبنا، أما الإرهاب فهو أنسب طريقة للشغل عشان ننجز فى حالة الطوارئ.

يعنى الحكاية كيد فى كيد، فى تظبيطات فى تصفية حسابات، باستثناء برنامج أو اثنين على الأكثر، قدرهم الأزلى منصب على اهتمام أوحد ألا وهو تقصى الحقائق، واسترداد الحقوق، واستنهاض الهمم لعودة القيم، لكنهم قلة منفردة تعمل يدوياً، أى أنها غير مدعمة بمؤسسات إعلامية كبرى أو شركات دعائية معتبرة تشترط البث فى أوقات الذروة لتحظى هذه، التى هى أشباه وأشبال برامج، بنسب مشاهدة عالية ولا عزاء للأسرة المصرية المنكوبة بمشاهدة صراع الفراخ والديوك على العِشة الأكثر إنتاجاً للبيض.

أما الحقيقة العارية التى يعرفها وينكرها هؤلاء الكتاب الصحفيون والإعلاميون التليفزيونيون، فأنهم لا يلعبون إلا فى دماغ نصف مليون على أكثر تقدير، بينما بقية الـ79.5 مليون نسمة فمنصرفون عن القراءة والكتابة، لا عن جهل أو أمية أو سطحية، وإنما عن يقين أنه صداع فى الدماغ على الفاضى لا بيحل ولا بيربط، ويعنى لو فيه وقت فاضى مافيهوش مذاكرة أو دروس أو تمارين للأولاد أو ساعات عمل إضافية فى المساء لتحسين المعيشة أو واجبات اجتماعية مؤجلة وواجبة علينا للأهل والأصدقاء والجيران، يفضل النوم بدرى لترشيد الاستهلاك وتشجيعاً ليوم البيئة العالمى. وقد ينبرى قلم أو مجموعة أقلام لمهاجمتى بحجة أننى بتاعة أبراج ومفسرة أحلام وشاعرة عامية وباكتب فى السير الحياتية لأناس رحلوا، فمالى أنا بأه ومال الكُتاب والنقاد والإعلاميين، وبمناسبة إيه بأحلل وأفسر وأقيم وأعترض، ولهم الحق لأنهم لا ينظرون إلا تحت أرجلهم، فأنا فى اعتقادهم بدأت منذ سبع سنوات ماضية، هى عمر كتبى، أما السنوات السبع التى سبقت الإصدارات الأدبية فأمضيتها فى كتابة المقالات والحوارات، إلى جانب فتح الملفات ونظرة بسيطة على أرشيفى الصحفى فى جريدة الأهرام، وصوت الأمة، والدستور الأسبوعى، والحلوة، ومجلة صباح الخير وكل الناس، فى موقعى الإلكترونى على شبكة الانترنت يؤكد ذلك، فهو الذى مهد لى الطريق إلى دور النشر المختلفة بدءاً من الهيئة العامة للكتاب، مروراً بدار الشروق، ثم دار آفاق، ومن بعدها الدار المصرية اللبنانية.

وإن كنت لست فى حاجة إلى تقديم أوراق اعتمادى ككاتبة لها أحقية التعبير عما تراه مقلصاً للمعدة، ومعصباً للقولون، لأنى ببساطة أكتب كقارئة ومشاهدة ومتابعة يومية لكل ما ينشر ويبث بلا نيات ولا توجهات، وأكيد هذا مثير للغرابة لأنه عشان يتعملك حساب فى البلد اللى عسلها إسود لازم تتعلم قرص النحل، لكن تكتفى به على الفطور إلى جوار الطحينة، فالأفضل لك أن تأخذ بعضك على أول طريق الصعيد وتشترى قراطين وتراعيهم وتابع برنامج عزيزى المزارع المفالح.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة