إذا كنا نتحدث عن الانتحار، علينا أن نتحدث عن النحر والقتل المتعمد للمواطنين وأغلبيتهم فقراء.. 30 ألف مواطن يفقدون أرواحهم سنويا فى حوادث طرق و100 ألف مصاب، ربعهم على الأقل يصابون بالعجز، بمعدل قتل 82 مواطناً يوميا، والسبب المعلن إما السرعة أو سوء أحوال الطرق والمنحنيات الخطرة والمطبات. لكن السبب الرئيسى هو الغياب التام لرجال المرور فى الأماكن الخطرة أو التى يفترض أن يكونوا فيها، ووجودهم حيث لا يشترط وجودهم. وبالمناسبة فإن حوادث الطرق موجودة فى كل العالم لكنها عندنا تتجاوز كل الحدود والقواعد، وكأن الحكومة تعاقدت مع عزرائيل للمساهمة فى تنظيم الأسرة.
كل ساعة هناك حادث طريق وأربعة قتلى، لا يمر يوم دون حادث بشع يقتل عدداً من المصريين على الطرقات السريعة وفى المحافظات وعلى الطريق الزراعى والصحراوى.
هذا الخطر، ولا يبدو الأمر لافتا لأنظار الحكومة التى تتعامل معه على أنه حاجة طبيعية أو قضاء وقدر، ولا يعترفون بأنه نتاج فساد وتواطؤ عام تشارك فيه الحكومة بالنصيب الأوفى. وإذا كانت كل حوادث الطرق تصنف على أنها قتل أو إصابة خطأ، فإن الفساد والإهمال المتعمد يضعها ضمن جرائم القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد. ربما لأنها ترى أن الطرقات الخطرة تساعد فى خفض أعداد السكان من خلال قتل عدة عشرات يومياً فى حوادث طرق. تتصادم فيها السيارات والميكروباصات التى يقود بعضها سائقون بلا عقل، أو تصطاد التريلات، السيارات الصغيرة، وتسحقها بشكل شبه متعمد فى غياب الردع أو المرور.
كل هؤلاء المخالفين يطلعون لسانهم للقانون لأنهم يعلمون القانون فى إجازة على الطرق السريعة، ولا يوجد مرور فى غير القاهرة أو عواصم المحافظات، أما المراكز والقرى فلا يوجد مرور.
لدينا قوانين مختلفة وآخرها قانون المرور الأخير الذى يطبق على العاجزين والغلابة، ومن لا يربطون الحزام، لكنه غائب أو مغيب على الطرقات السريعة زراعية أو صحراوية، لا توجد رادارات وإن وجدت فهى فى بوابات الدخول والخروج، وأماكن السرعات فيها 60 أو أقل، بينما تغييب الرادارات على باقى الطريق الصحراوى أو الزراعى. ولا يوجد رجال المرور فيما بعد المدن، أما اللجان والبوابات والحملات فهى للاستعراض والمنظرة، وفى الأماكن الخطرة التى يجب أن يخفف فيها السائقون السرعة تغيب الرادارات ورجال المرور، وإذا وجدوا بالصدفة ينتهى الأمر بعد تفاوض معلوم على أشياء معلومة.
وإذا كانت الداخلية تتحجج بأن عدد رجال المرور قليل وغير كاف، يمكن الرد على ذلك بأن أعداد الأمن المركزى الكثيرة يمكن أن تحل أزمة المرور، بل إن خفض أعداد الحوادث وضحاياها يحمى الأمن أكثر مما يضمنه الأمن المركزى.
وإذا رأينا آلاف الجنود فى مواجهة أى مظاهرة أو احتجاج مع غياب تام لرجال المرور على الطرقات الخطرة نكتشف إلى أى مدى يختل الأمن.