الفائض الدينى كلمة عابرة سمعتها فى محادثة هاتفية مع الدكتور عصام عبد الله أستاذ الفلسفة بآداب عين شمس، اتصلت به مرة أخرى لأعبر له عن إعجابى بتعبير الفائض الدينى، فأكد لى أن هذا التعبير ليس من محض خياله بل هو تعبير ذكره الأستاذ "هشام جعفر" رئيس تحرير موقع إسلام أون لاين وكتبت عنه مقالة بجريدة إيلاف الإلكترونية. ووجدتنى أفكر فى كلمة الفائض الدينى متسائلاً عن المعنى والمغزى من التعبير وانعكاسه على أرض الواقع، وتوصلت لبعض النتائج.
الواقع المصرى ينطوى على فائض دينى، وخير دليل على ذلك الأسماء الشخصية للمصريين، فالقبطى يدعى مرقص وجرجس وبولا وأنطونيوس ودميانة... والمسلم أبو بكر وعمر وصهيب... وسألت نفسى هل هناك خطأ من أن يسمى الأفراد بأسماء تنتمى للعقيدة المطابقة ؟ فمثلاً القبطى يتفاءل بالقديسين والشهداء مؤمناً بشفاعة القديسين، والمسلم أيضاً تيمناً بالاسم وبتاريخه... ثم ذهبت بعيداً بفكرى إلى مدى انعكاس الفائض الدينى على أرض الواقع، حيث إنه أصبح حجابا ونقابا، سبحة ومسواك، صليب وإنجيل ، إيمان بدون فاعلية حقيقية على الواقع العملى بدليل انتشار الرشوة، الفساد الأخلاقى والانحلال الخلقى فى مناحى المحروسة، وعدم قبول الآخر بدليل الاعتداءات الطائفية التى تنهش جسد الوطن من أقصاه لأدناه..
تحول الناس عن طبيعتهم من حب وود إلى صراع طائفى لأتفه الأسباب، فقد تميز أهالى الصعيد بالحب والود والحفاظ على الجيرة وتغيرت سلوكياتهم فأصبح جنوب مصر ما يسمى (بمنطقة الصعيد) من أكثر المناطق التهاباً بالاعتداءات الطائفية، وأثر فائض الدين على الشارع المصرى فتجدك تسير فى أرجاء المحروسة وتشعر كأنك فى إيران أو السعودية، حيث التحفت النساء بالسواد فى هيئة نقاب وحجاب بينما تحول آدم إلى ذئب رغم أن جبهته خُتِمت بعلامات التقوى والورع، وأثر التدين الشكلى على وسائل المواصلات فلا تخلو عربات مترو الأنفاق من الواعظات المجتهدات ليحثن الأخريات على النقاب والحجاب بعد أن اختزلن الدين فى الشكل فقط بعيداً الممارسات الوجدانية لقواعد الدين، وتم غزو مداخل البنايات بالفائض الدينى فى الأحياء الراقية والمتوسطة والشعبية، وانتشرت الملصقات بالأقوال والأدعية على العربات وأبواب المطاعم وداخلها بالإضافة لأعمدة النور فى الشوارع وفى كل مكان ، من قال هذا القول نجى من النار، ومن بدأ يومه بهذه الأدعية فُتِحت له أبواب الجنة وأغلقت أمامه أبواب جهنم، ومن ذكر هذا غفر الله جميع ذنوبه وطهره من معصيته وكل ذلك فى مزاد علنى يعلو ولا يُعلى عليه" فالأقوال أصبحت تغنى عن الأفعال".
النتيجة: أن معظم المصريين يعيشون حالة من التديين وليس التدين، وهناك انفصال تام بين الدين والأخلاق العامة كممارسات وعلاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان، فمعظم المصريين يعيشون حالة انفصام تام وشيزوفرنيا مستعصية، فهناك ممارسات دينية وطقسية ولكن الواقع يثبت العكس تماماً.
متى ينتهى الفائض الدينى للمصريين؟
متى ينتهى التدين الشكلى؟
متى يعود الشعب لروح الدين ليؤثر فيهم؟
متى يثبت الفرد للآخر بسلوكياته أن دينه دين رحمة ومحبة وعدل ، بالأفعال وليس بالأقوال؟
متى نثبت أن الدين رفع من شأننا وربطنا مع العالم الخارجى برباط حب وليس عداء؟
متى نتوقف عن اغتصاب حق الله فنكفر باسمه ونستبيح ونسرق ونحرق ونهدم بيوت الآخرين؟
متى تتوقف الدولة وجهازها الأمنى عن تشجيع وحماية أنواع التدين الشكلى؟
متى تتوقف الدولة والنظام عن اللعب على وتر الدين وتركه لرجاله داخل المساجد والكنائس؟
أخيراً فإن تنامى التدين الشكلى مع انحدار الأخلاق فى المجتمع هو خصم من رصيد المؤسسات الدينية، ولن أقول يمنعها عن أداء رسالتها؟