أرجوك لا تنظر إلى الأزمة المشتعلة بين القضاة والمحامين على أنها مجرد خناقة بين طرفين على مناطق نفوذ، وأرجوك لا تنظر إليها بمنظار أضيق من ذلك وترى أن ماحدث هى خناقة بين محامى ووكيل نيابة كل منهما يبحث عن صناعة جو برتسيجى – من البرتسيج يعنى- حول نفسه لاستخدامه فى المنظرة على خلق الله.
أرجوك ضع القضية فى حجمها الطبيعى وانظر إليها من بعيد حتى ترى صورتها كاملة أو بمعنى أدق حتى ترى الكارثة بوجهها القبيح، نحن ياسيدى أمام صراع حصانات، أمام فئتين من المجتمع هما أكثر الفئات احتكاكا وعملا بالقانون وثبت لنا من أحداث الأزمة الأخيرة أنهما أكثر فئات المجتمع إهانة للقانون، نحن يا سيدى أمام صراع حصانات للأسف شخصى وليس فى مصلحة الوطن، فلقد خلقت القوانين الحصانة لكى تكون درعا لحاملها سواء كان نائبا أو قاضيا أو محاميا لضمان الحماية الكاملة له أثناء تأدية مصالح الناس ولكن فى مصر وجدنا الحصانة وقد أصبحت وسيلة للمنظرة على الناس واستقطاع الكثير من المميزات بدون وجه حق وبعضهم لم يجد حرجا وهو يستخدم حصانته لسرقة قطعة أرض هنا أو البلطجة على بشر هناك.
ما حدث فى طنطا وماحدث قبلها بين محامين ووكلاء نيابة وضباط ووكلاء نيابة ونواب برلمانيون كان جزءا من هذا الصراع الذى يبدأ بلماذا يجعل وكيل النيابة زجاج سيارته "أسود فاميه" ولوحة السيارة سوداء بينما المحامى لا يستطيع أن يفعل ذلك؟ وينتهى بلماذا يستطيع ضابط الكمين أن يمارس رزالته على كل المواطنين ولكنه يقف انتباه حينما تمر سيارة مستشار أو نائب برلمانى حتى ولو كانت من غير نمر ورخص؟.. للأسف ياسيدى هو صراع لا يمكن أن تتعاطف مع أحد أفراده لأنه ببساطة صراع شخصى بحت ولكن مصيبته الحقيقية أنه دائما مايكون على حساب الغلابة من المواطنين.. وهذه الشخصنة تجسدت فى حرب الكلام بين حمدى خليفة نقيب المحامين والمستشار الزند رئيس نادى القضاة فلقد سعى كلاهما لسكب المزيد من البنزين على نار المعركة المشتعلة ليغطى على أخطائه فى النقابة وفى النادى ويعيد تقديم نفسه كسوبرمان القادر على حماية أبناء مهنته.
من زاوية أخرى يمكنك أن تنظر لتلك الأزمة المشتعلة بين المحامين والقضاة ولكى تتضح لك النظرة من تلك الزاوية أرجوك ضع بجوار تلك الأزمة أزمة البابا مع القضاء بسبب طلاق المسيحين وأزمة وزارة الداخلية مع الشعب بسبب حفلة التعذيب الإسكندرانية التى راح ضحيتها خالد سعيد.. من هذه الزاوية يمكنك أن ترى دولة تنهار، يمكنك أن ترى أن حدوتة دولة المؤسسات التى يتفاخر بها النظام الحاكم مجرد نكتة لا تختلف كثيرا عن نكتة أن العصر الحالى هو عصر البنية التحتية وكأنهم لايرون الطرق الجديدة وهى تعانى من هبوطات أرضية وفواصل الكبارى وهى تتحول إلى مصيدة للحوادث، والقرى وهى تعطش وتعوم فى صرفها الصحى.
من هذه الزاوية سترى كل ذلك وماهو أكثر منه.. سترى شروخا بشعة فى جدار نظام لا يريد الاعتراف بأنه شاخ، وسترى منصة قضاء نفخر بها ونتحاكى بنزاهتها تصدر حكما فى أقل من 24 ساعة بسجن المحامين 5 سنوات دون ممارسة أى طقوس قضائية معتادة، وسترى عشرات الآلاف من المحامين مضربين ومتظاهرين لأن الروب الأسود تعرض للإهانة على يد وكيل النيابة بينما تعانى نقابتهم من عشرات الأمراض وتعانى مهنتهم من آلاف المتطفلين الذين جعلوا سمعتها فى التراب بالنصب على المواطنين والتجارة بأحلام الفقراء من أصحاب التعويضات، وسترى رجال أمن يجدون فى تعذيب الغلابة والأبرياء إعادة لصياغة شعار الشرطة فى خدمة الشعب الذين يكرهوه فجعلوه بالتعذيب والرذالة على خلق الله" الشعب والوطن فى خدمة البيه الضابط.. وجزمته إن أمكن".
إنظر للصورة من تلك الزاوية ياسيدى وسترى دولة تنهار وادعوا معى أن تنهار الدولة فقط ولا ينهار الوطن.. أن تنهار الدولة فقط ويذهب غبار أطلالها بعيدا دون أن يتحول إلى ضباب يعمينا عن رؤية مستقبلنا أو إلى دخان يصيب هذا المستقبل بالاختناق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة