فى العام الماضى رزقنا الله بقضيتين جمعتا كل عوامل الإثارة التى ستبقينا ندور ونلف حولهما لسنوات طويلة.. جريمتى قتل، الجناة والضحايا من المشاهير، المال والجنس بطلان رئيسيان، والشك يلعب دورا أكثر إثارة، ففى قضية هشام وسوزان يشك الناس فى أن نهاية هشام ستكون حبل المشنقة رغم الحكم الصادر بذلك، وفى قضية هبة ونادين يشك الناس فى أن محمود العيساوى هو القاتل الحقيقى رغم صدور حكم يؤكد ذلك.. فى قضية هشام وسوزان تفاصيل كثيرة وأوراق أكثر وخلفية سياسية واقتصادية تتطور كل يوم لتزيد من حالة ارتباك الجميع، أما فى قضية هبة ونادين فلم تظهر تلك الأوراق الكثيرة التى تعيد رسم مسارات أخرى مختلفة لتلك القضية بعد..
المفاجأة أن هذه الأوراق موجودة، شهادات واعترافات سجلتها هبة العقاد على هيئة مذكرات يومية فى أجندة سوداء اللون ولم تكن تعرف أن كل هذه الحكايات والأسماء الواردة فى مذكراتها قد تكون سببا فى إعادة قراءة ملف قضيتها بشكل مختلف، صحيح أن هذه المذكرات تتضمن الكثير من المفاجآت والكثير من العلاقات الخاصة التى لا نحب أن نخوض فى تفاصيلها، وصحيح أننا هنا فى اليوم السابع كنا قد قررنا عدم نشرها واخترنا الانحياز إلى خط سير القضاء الذى لا يحب أن يشوش عليه أحد، ولكن بعد أن أصبحت القضية بين يدى المفتى كانت العودة مرة أخرى إلى مذكرات هبة العقاد التى كتبتها بخط يدها أمرا اضطراريا، والعودة لأوراق هبة العقاد هنا لا تعنى أبدا أى تراجع عن الموقف الخاص بعدم النشر حفاظا على ذكرى الفتاة الراحلة، لأننا سنثبت على عهدنا مع القارئ بعدم استغلال السطور الخاصة جدا والسرية جدا التى كتبتها الراحلة هبة العقاد فى مذكراتها لصياغة موضوع مثير أو صناعة مانشيت ساخن، فقط سنعود إلى تلك السطور التى تضم الكثير من الأسماء والكثير من الأشخاص والعديد من الحكايات التى ربما تفتح أبوابا أخرى فى القضية، سنعود إلى تلك المذكرات لأنها ربما تكون شهادة صادمة تدين المجتمع بأكمله وتضرب جرس إنذار داخل كل بيت وفى عمق كل أسرة انشغلت عن أولادها وبناتها بالحياة..
العودة إلى تلك المذكرات فرضتها علينا كما قلت من قبل تلك الرغبة فى البحث عن المتهم الحقيقى، خاصة بعد أن لخبطت ليلى غفران أوراق القضية بإصرارها الواضح على اتهام زوج ابنتها على عصام بقتلها، فما تضمه هذه المذكرات من حكايات واعترافات وأسماء لمشاهير ربما يقودنا إلى ما كان يتحدث عنه محمود العيساوى المتهم الأول فى القضية حينما صرخ قائلا: ( أنا برئ والله .. أنا مجرد خروف للأكابر) فقد يكون واحد من هؤلاء الأكابر الذى أشار إليهم العيساوى قد ورده اسمه من قريب أو بعيد بين سطور تلك المذكرات.
المتابع لتفاصيل القضية ومحضر التحريات وحالة التناقض الواردة فى العديد من النقاط مثل الفانلة الداخلية التى لم تذكر النيابة أن المتهم كان يرتديها فى بداية التحقيق، ثم عادت وذكرت فى نهاية التحقيقات أن الفانلة الداخلية كان عليها تلوثات دموية خاصة بالمجنى عليهما، وجعلتها دليل الإثبات الرئيسى لإدانة المتهم، ثم فضيحة سى دى المعاينة التصويرية الذى ظهر فيه العيساوى وهو يحصل على تعليمات بما يفترض أن يقوله وكأنه يمثل جريمة حسب سيناريو كتب له.. كل هذا وغيره يجعل من تلك المذكرات الخاصة بالضحية هبة العقاد ورقة جديدة وهامة فى القضية تستوجب النشر ليس فقط لإثبات أن هبة العقاد كانت ضحية ضربة سكين غادرة ولكن لإثبات أن تلك الفتاة كانت ضحية مجتمع تاهت منه أخلاقه وفضائله وسيطرت الرغبة فى الاستغلال على كل أفراده أو على الأقل على كل الأفراد الذين دخلوا حياة تلك المسكينة.
فى مذكرات هبة العقاد التى سطرتها فى أجندة سوداء اللون.. الإحباط عنوان دائم، يفاجئك فى كل سطر ويداهمك من داخل كل رسمة أو شخبطة من تلك الشخابيط والرسومات الحادة التى كانت تعبر بها هبة عن حالتها حينما تعجز عن الكلام، وبرفقة هذا الإحساس الفظيع بالإحباط الذى يسيطر على تلك المسكينة ستجد إحساسا آخر أبشع تشكو فى كل صفحة من توحشه ومن سيطرته عليها.. إحساس دائم بالوحشة والغربة والاغتراب.
فى مذكرات هبة العقاد صفحات كثيرة تتحدث عن رجال استغلوها بلا مشاعر منذ كان عمرها 13 سنة، عن أصدقاء وشباب ومشاهير استغلوها بلا ضمير، تحكى عنهم بوجع وتكتب عن ذكرياتها معهم بندم، فى يومياتها ستطل عليك أسماء مختلفة أحدهما لمطرب شاب معروف ومصور فوتوغرافى بدأ اسمه يلمع فى الفترة الأخيرة وغيرهم من الذين تطالعك صورهم فى المجلات الاجتماعية والصفحات التى تنشر صور حفلات المجتمع والشباب ويتجملون ويكذبون رافعين شعارات الفضيلة، كتبت هبة ذكرياتها عن هؤلاء وكأنها تكتب عن وحوش بلا قلب وبلا ضمير سعوا إلى استغلالها فى عز ما كانت هى تسعى للبحث داخلهم عن صداقة وحب وأمان تفتقده..
- فى صفحة تحمل تاريخ 7 مايو 2005 كتبت هبة: (الشىء الوحيد الذى أشعر به هو الإحباط، أشعر كأننى فارغة كالجحيم، وقد بدأت حياتى مرة أخرى، ولكننى لا أعرف من أين أبدأ بالفعل، إننى مجنونة بحب (ذكرت اسم يبدأ بحرف "ش" أحتفظ به وهو لمطرب شاب معروف)، ولكننى لا أعرف إذا كان يحبنى أم لا، إننى أحتاجه بالفعل رغم أننا مختلفين.. إننى آمل أن يسامحنى. أنا محتاجة لفرصة أخرى، "وربما لا".. إننى لا أستمتع بكل شىء، حتى أكثر الأشياء متعة، إننى أمر الآن بتجربة جديدة، وعواطف جديدة.. إننى أشعر أننى أفتقد أشياء كثيرة فى حياتى.. إننى محبطة كالعادة وكل ما أحتاجه هو أنت وصديقة واحدة فقط.. لقد عدت إلى المنزل هذا اليوم وفتحت قناة دريم اليوم، وتمنيت أن أراك فى التلفزيون.. فى هذه اللحظة أنت الآن على التلفزيون أتمنى أن يراك الجميع وأنت تغنى، أنا فى انتظار ظهورك فى الغناء).
- وفى 7 يونيو 2005 كتبت هبة العقاد عن قصة حبها الفاشلة: (أنا عايزة أمثل، دا كان حلمى الدائم، وشكله قرب يتحقق.. "ش" لسه واحشنى.. أنا صحيح مش طوال الـ24 ساعة محبطة ومتضايقة، لكن بفكر فيه كل ليلة.. إنه حبى الحقيقى والأول. ولكن يبدو أنه لن تكون هناك فرصة للعودة مرة أخرى.. إننى أعتقد أننى سأكون بمفردى لمدة ما.. لسه عندى أشياء تانية مهمة أفكر فيها.. عايزة أفكر فى الكارير الجديد بتاعى سأقوم بكل ما فى وسعى لأثبت نفسى فى هذه المهنة، أرجوك يا رب ساعدنى.. كان عندى تصوير عند "المصور الفوتوغرافى الشاب الذى نحتفظ باسمه ) إمبارح.. هو عايزنى فى إعلان عن نوكيا، أنا متمنية جدا إنى أخد الإعلان دا".. وفى اليوم التالى 8 يونيو كتبت فى صفحة مقابلة وبخطوط خجولة أن المصور استغلها وأقام معها علاقة حميمة.
- فى 5 أكتوبر كتبت هبة فى يومياتها وبعد مرور شهر على وجودها فى لندن تقول: (أنا هنا فى لندن منذ شهر تقريبا، أغرب شهر فى حياتى.. "ع" صديقتى سرقت فلوسى، ودلوقتى أنا أعيش مع سارة وسامى فى البيت "ويست منيستر"، كانوا كويسين معايا خلال هذه الفترة، وشعرت أننى جزء من العائلة.. مصر وحشانى، ماما و"ش" واحشينى.. ومفيش حد تانى واحشنى.. أنا بدأت أدرك أنهم كانوا بجوارى علشان خاطر نفسهم، ومش حاسة أن حد منهم بجوارى بجد..
- وبعد انقطاع عن تدوين يومياتها لعدة أيام عادت هبة لتكتب يوم 11 أكتوبر الآتى: (كل هذه النظريات عن الحب والزواج وإنجاب الأطفال، أنا مش عارفة ليه الناس بيفكروا أو بيحبوا الكلام دا.. هل أنا بحس كده علشان كل العلاقات التى مرت فى حياتى أفقدتنى معنى الحب، أنا مرتبكة جدا، ليه دايما حاسة إن أمامى تحدى، وعلى أن أختار.. أنا زهقت من فكرة الاختيار.. ثم كتبت وبقلم لونه مختلف وكأنها تريد أن تؤكد أن الكلام التالى هو الأهم وهو الذى شكل طريق حياتها الملخبط: (عيونى .. ما هو الشىء الجذاب فى عيونى، أم أنه تبرير منهم كلهم بيستخدموه.. هل كلمة الجنس مكتوبة على عينى منذ ولادتى، لماذا أنا تعلمت الجنس فى الوقت الذى كان يجب أن اتعلم فيه ABC.
ليه تم الاعتداء على واستخدامى أكتر من مرة، هل دا بسبب الآخرين؟.. اللى أنا متأكدة منه إننى لم أكن أنا السبب عندما كان عمرى 6 سنوات أو 9 سنوات، أو 13 سنة، هذه هى قصتى باختصار.).
- وفى 25 نوفمبر أى بعد شهر تقريبا عادت هبة لتكتب حول نفس المعنى: (أيه بالظبط اللى فيا يجعل الرجال يفكروا فى الجنس بمجرد رؤيتى؟.. ألا أستحق أن يبادلونى الحب أيضا؟.. لماذا لا يوجد واحد فيهم يقدر مشاعرى؟.. هل الرجالة عموما بيفكروا كده؟.. أول ما يشوفوا بنت بيفكروا فى الجنس؟.. برضه الأمر بيعتمد على البنت.. هى تقدر تحدد إذا كان الجنس فقط، أم حب.. سهل جدا اللعب، ولكن بشرط أن تعرف هى المفاتيح).
- وفى 14 مارس 2006 كتبت هبة فى صفحة يومياتها وهى فى الطائرة عائدة للقاهرة فقرتين سيشكلان للجميع صدمة، فقرتين هما نتيجة واضحة لإحساس الغربة والإحباط الذى يسيطر على تلك المسكينة قالت فيهما: (مش عارفة ليه كنت حاسة بإحساس غريب طوال الفترة الماضية، أنا عندى إحساس غريب إن حاجة وحشة جدا ستحدث لى، وحاسة إنى سأموت قريبا).
عند هذه النقطة.. عند شعورها بأن شيئا سيئا سيحدث لها أرجوك توقف للحظات وفكر وتدبر فى الأمر، هل الأمر مجرد شعور ولده الإحباط واليأس الذى تمكن من الفتاة المسكينة أم أن شيئا آخر كان يهددها أم أن كل هذه اللخبطة وكل هذا الارتباك الذى يسيطر على حياتها قد أوحى لها بتلك النهاية البشعة التى توقعتها لنفسها قبل أن تعيشها فى شقة زميلتها بحى الندى فى الشيخ زايد؟
باقى يوميات هبة تتضمن شروحا أوضح وتفاصيل أخرى بالأسماء لا يمكن اختزالها ولا يمكن نشرها كما هى لأننا قررنا وكما قلنا فى البداية أن نحفظ عهدنا معكم وألا ننساق خلف أى جملة قد تصنع خبطة صحفية أو عنوانا مثيرا على حساب فتاة مسكينة مقتنعين تماما أنها كانت ضحية مجتمع وضحية بشر اعتادوا استغلال كل شىء بلا رحمة قبل أن تكون ضحية مجرم طعنها بسكين حاد النصل.