هل يجوز أن أحلل لك الزنا، وأحرم الطلاق وتعدد الزيجات؟ سؤال مشروع ـ فى تقديرى ـ من صديق قبطى أعتز جداً بمعرفته، وسبق أن كتبت عنه فى هذه الزاوية باليوم السابع تحت عنوان حوار مع الصديق القبطى، وحديثنا هذه المرة تطرق إلى حكم القضاء الإدارى بإلزام قداسة البابا شنودة بإصدار تصريح الزواج الثانى لأحد الأقباط.. ربما كان الحوار هذه المرة أكثر هدوءاً لكنه حمل الكثير من الأسئلة الشائكة، التى لم أجد عندى ـ كالمعتاد ـ أجابات منطقية لها.
الصديق تمتع بنبرة هادئة، استمدها من قناعات لديه بأن ما جرى لن يتعدى كونه حكماً حبيس الأدراج ولا يتجاوز كونه حبراً على ورق، وتساءل ضاحكاً: يعنى لو البابا مطلعش تصريح، هيعملوا إيه هيحبسوه؟ أجبته: قطعاً لا.. فعقب كمن يحاول طمأنة نفسه: الحكومة والداخلية فى أشد مواقفها مع جماعة الإخوان المسلمين، لم تتجاوز، وكان بطشها اعتقالاً أو قمعاً أو غير ذلك مقصوراً على الكوادر، وأتباعهم، ولم يحدث يوماً أن تم اعتقال مرشد الجماعة، رغم أنها وفق القانون، جماعة محظورة.. فهل سيتم القبض على قداسة البابا؟!
بديهياً أن يكون هناك اختلاف والقاضى مسلماً وأصدر حكمه وفق قناعته كرجل مسلم يقبل أن يكون هناك زواج ثانى وثالث، ولكن ـ والسؤال للصديق ـ هل تقبل أن يصدر حكم يحرمك من الطلاق، أو يجرم تعدد الزيجات؟ وهل تقبل على سبيل المثال أن يستند الحكم فى حيثياته إلى أن الله خلق آدم وحواء، ذكراً واحداً وأنثى واحدة ولم يخلق أربع إناث فى بداية الخلق؟ أجبته قطعاً لا، فبادرنى بالرد: كذلك نحن لم نقبل، وما يحله قداسة البابا شنودة لدينا، حلال فى السماء، والعكس صحيح.
الحديث مع الصديق تطرق إلى ما تعانيه الكنيسة من مظاهر فساد، مؤكداً أن هناك قساوسة يصدرون تصريحا كزواج أول من خلال إصدار شهادة "خلو موانع" ورغم وجود زواج سابق، "وكله بحسابه" على حد وصف الصديق، معتبراً أن الأمر تجاوز غير مقبول، فالمدعى إذا ما كان يرغب فى زاوج ثانٍ فليتزوج مدنيا، ويختار طريقه جيداً بعيداً عن كل ما هو كنسى.
ولم يقبل الصديق ما اعتبرته تهديداً للأرثوذوكس فى مصر، فى وقت تعانى فيه الكنيسة الأم أشد موجات التبشير من قبل الطوائف الأخرى بداية من الإنجليين وصولاً لشهود يهوة، فضلاً عن اتجاه الكثير من الأقباط إلى العلمانية صراحة، أو الدخول فى الإسلام، لمجرد التمتع بحقوق يراها من يطلبها "مشروعة"، فالحياة تحت راية الأرثوذوكس تعنى: لا طلاق، لا زواج ثانى، لا حج قبل تحرير القدس.
انتهى الصديق إلى أن الكنيسة الأرثوذوكسية تمتلك الكثير من أوراق الضغط أولها شخص البابا نفسه، فهو وفق تقديره أكبر كثيراً من أن يحاكم أو يدان بسبب رفضه إصدار تصريحاً ثانيا بالزواج. وثانيها اتجاه غالبية الكنائس للحصول على توكيلات من مرتاديها للدلالة على وجود رفض شعبى لدى الأقباط للحكم، ذلك فضلا عن احتمالات تدخل الرئيس مبارك لوقف تنفيذ الحكم.
انتهى حوارى مع الصديق، وكنت أقل اختلافاً معه على غير المعتاد، وتساءلت بينى وبين نفسى، ألم يكن فى عهد الخلافة الأموية وغيرها محاكم لأهل الذمة؟ ألم يجمع الفقهاء على عدم جواز تطبيق الحدود على غير المسلمين إلا فيما هو مشترك فى المحرمات كالقتل والسرقة والزنا، أما شرب الخمر فلا.. وتذكرت قوله تعالى فى سورة المائدة: "إن جاءوك فأحكم بينهم، أو أعرض عنهم"، ألم يكن بوسع القضاء الإدراى "أن يعرض عن نظر الدعوى"؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة