هل يمكن أن تترك لى المجال قليلاً لكى أجرح شعورك دون أن تغضب منى؟
إذا كنت قد وافقت على ذلك فشكراً لك، ودعنى أبدأ من تلك النقطة التى تقول بأن كأس العالم الحالى الذى تدور أحداثه الآن فى جنوب أفريقيا ربما يكون هو أكثر الأحداث العالمية الأخيرة التى تفننت فى إذلال نفوس المصريين وإصابتهم بالإحباط لسببين.. أولهما أنه يذكّر كل مصرى غيور بذلك الصفر الكبير الذى حصلنا عليه حينما طلبنا استضافة المونديال، فى واحدة من أسوأ الصفعات التى تلقتها مصر أمام المجتمع الدولى وفى عز الضهر، والأسوأ فى هذه الذكرى أنها تأتى مصاحبة لحقيقة تقول إن السادة المسؤولين عن تلك الكارثة، وعن ذلك الصفر، لم يحاسبهم أحد ولم تمسسهم أى عقوبة بسوء، أما السبب الثانى فهو يتعلق بعدم وجود المنتخب المصرى ضمن المنافسة، فى الوقت الذى نصبح فيه مضطرين لسماع أو مشاهدة مباريات لفرق مثل سلوفينيا وسلوفاكيا وهندوراس، ومضطرين لأن نشاهد العالم كله وهو يشيد بأداء المنتخب الجزائرى أمام الإنجليز، ومضطرين لأن نتذكر أيضا أن سمير زاهر واتحاد الكرة أكّلونا الحلاوة وشوهوا سمعة مصر أمام العالم كله بملف ضعيف لم يهز شعرة فى رأس الفيفا التى عاقبتنا نحن وتركت الجزائر تستمتع باللعب مع الكبار.
رغم كل هذه الذكريات السيئة التى تستدعيها مباريات كأس العالم لأذهان المصريين، دعنى أخبرك بأن الله يحب مصر لأنه لم يفتح لها باب المشاركة فى تلك البطولة.. أنت مندهش الآن من ذلك التعبير الأخير؟! عموما اندهش كما تشاء، ولكن تعال لترى كيف كانت تدابير السماء أفضل لنا ولهذا الوطن..
تخيل لو كنا قد وصلنا إلى كأس العالم على أى حال كانت ستكون البلد؟ وأى بلاوى سودة كانت الحكومة ستسعى لتمريرها فى غفلة من الناس المشغولة بوجود المنتخب فى المونديال؟ الدولة عندنا أصلا تستغل فوز المنتخب حتى لو فى مباراة ودية لتسويق نفسها سياسيا وتسويق ما كان يصعب تسويقه من قبل، فما بالك لو كنا موجودين فى كأس العالم..
كان الله رحيما بنا ولم نصل للمونديال حتى لا تتحول قضية مثل قضية خالد سعيد إلى مجرد مشهد مستفز فى فيلم سينمائى، يبكى الناس فى أوله وينسون خالد وأبوخالد حينما تبدأ مباراة المنتخب المصرى فى المساء، أما أزمة المحامين والقضاة فصدقنى لو كنا فى المونديال، لكانت معركة هامشية تذكر الصحف أخبارها فى ذيل الصفحات، والمحامون والقضاة أنفسهم سينشغلون بالمنتخب أكثر من الإضراب أو الاعتراض ولم نكن لنكتشف أننا نعيش فى دولة بلا مؤسسات، ولو كنا وصلنا المونديال لكان من السهل على الدولة أن تدفن قضايا ارتفاع الأسعار، وتمرر قانون التأمينات والتأمين الصحى وكل ما هو سيئ السمعة من القوانين، وكانت أزمة الطلاق والكنيسة ستمر كأنها خناقة بين زوجين فى الدور العاشر على مصروف الشهر، وكانت قضية جزيرة آمون قد مرت كأنها قضية غرامة ربط حزام سيارة.. لو كنا وصلنا المونديال لكانت أصوات الصراخ على هجمة أضاعها أبوتريكة أو زيدان ستغطى على كل بلاوى انتخابات الشورى بتزويرها وبلطجتها، وكان من الممكن أن يحصل هشام على البراءة، وتبنى إثيوبيا ألف سد وسد، وتبيع الحكومة مائة شركة وشركة، وتشرد ألف عامل وعامل.. دون أن نسمع عن مظاهرة واحدة ودون أن تناقش وسائل الإعلام كارثة واحدة لأننا وقتها سنكون مشغولين بالهتاف لحسن شحاتة، وسيكون لمدحت شلبى وكتيبة «المطبلاتية» الكلمة العليا فى تحويل حال هذا البلد إلى مولد كبير كنا سنسعد به كثيراً.. ولكننا فى النهاية سنخرج منه بلا أى حمص.. هل أدركت الآن لماذا سهّل الله لعنتر يحيى فرصة إحراز الهدف القاتل فى أم درمان؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة