المؤكد أن الكرة البرازيلية أصبحت أقل برازيلية، ودونجا نفسه يتحدث عن أولوية النقاط الثلاث، وأن الإنجليز فاشلون دائما فى كأس العالم، وأن فرنسا بعد اعتزال زين الدين زيدان، عادت إلى مكانتها فى اللعبة، وأن البرتغال ستظل حائرة غير واثقة فى نفسها، وغير مصدقة أنها عضو فى الاتحاد الأوروبى، وأن اليونان رغم الأزمة المالية والروحية أحرزت بدلا من الهدف هدفين لأول مرة فى تاريخها المونديالى فى شباك نيجيريا الأقوى، وأن إيطاليا -كعادتها- تبدأ متلعثمة، وبعد ذلك لا تتوقف عن الكلام، والماكينة الألمانية التى أمطرت شباك أستراليا بأربعة أهداف، تعطلت أمام الصرب الذين أرادوا أن يعبروا عن أنفسهم بصدق، سويسرا (صاحبة الورع الدينى أثناء الحديث عن الأسرار المصرفية) تصدت للغطرسة الإسبانية، بالدفاع عن مكانتها الغامضة فى الحياة واللعبة، دافعت باستماتة أعجبت كباتن التحليل التليفزيونى الذين كانوا مهاجمين فى الملاعب، واعتبروا العقم «الخطط الدفاعية الحديثة»، شجعنا الجزائر أمام سلوفينيا وخذلتنا وأغضبتنا، ولم نتحمس لها خوفا منها أمام انجلترا، فخذلتنا أيضا، ولعبت مباراة كبيرة، غانا وكوت ديفوار واجهتان مشرفتان لأشواق الكرة الأفريقية السعيدة، لأنهما يمتلكان لاعبين يحبون اللعب، موهوبين، منظمين، متواضعين. الأرجنتين قادرة دائما على القنص والجدل والمباغتة، لأن بلدا أنجب بورخيس وشاكيرا ومارادونا، لا شك ينام على سر ما، وجود الأخير على رأس الفريق هذه المرة، منح الصحافة مادة إضافية خارج المستطيل الأخضر، مارادونا فى هذه البطولة يحتمى بموهبة ميسى فى مواجهة المجهول، المكسيك وأورجواى يقدمان كرة رائقة، تلعبان بالفطرة التى جعلت كرة القدم لعبة محببة، الكوريتان تحاولان بطريقتين مختلفتين قديمتين، أمريكا قادمة بقوة (يقولون هذا منذ سنوات)، ولكنها لن تدخل نادى العظماء قبل خمسين عاما على الأقل، لأن اللعبة لها علاقة بأزمنة بعيدة، ورقصات وأساطير حقيقية وليست سينمائية، وحكايات طفولة، اليابان تلعب بدقة غير محببة، وتبقى كرة هولندا حتى لو أخفقت منسقة مثل الحدائق. فى جنوب أفريقيا هذه المرة أخفق الحراس كثيرا، النقاد قالوا إن الكرة الجديدة جابولانى هى السبب، وبعض الخاسرين اتهموا ضجيج الفوفوزيلا فى المدرجات، ولكن شيئا ما فى هذه البطولة جعل الاستمتاع باللعب ناقصا، ربما لأنك تجلس خمس ساعات يوميا تشاهد ثقافات لاتتحاور فى الحياة العادية، وعندما تنزل أرض الملعب تحاول أن تتعارف، وتبحث عن مساحات تجرى فيها، ولا أحد يريح أحدا، وكأنهم ضد أن يلعبوا معا، منذ بداية البطولة تقول الصحف إن العالم يفتقد مصر بشدة فى جنوب أفريقيا، ولم يفتقد روسيا ورومانيا وتركيا مثلا،الذين يقومون بالتحليل على المباريات فى مصر لم يقدموا شيئا مفيدا، لأنهم يريدون أن يقولوا كلاما منظما عن مباريات مرتبكة ومتذبذبة، وزاد الطين بلة تحول لاعبى كرة القدم إلى نقاد ومحللين فى الصحف، تنشر مقالاتهم بعد المباراة بيومين، بالإضافة إلى معلقى المعلومات والإحصائيات الذين لا يكفون عن الكلام «عمال على بطال»، كأن جهة ما تختبر ذكاءك وترفض أن تشاهد المباريات وأنت مسترخ، أنت فى 2010 التى كنت تنتظرها تعرف درجات الحرارة فى الملعب، وتقارنها بدرجات الحرارة الملتهبة فى كل شىء فى مصر، فتكتشف بعد أن شاهدت كل المباريات تقريبا، أن البطولة لم تبدأ بعد.