الحسنات الإلكترونية

المصريون يخططون لدخول الجنة بالفيس بوك ورسائل الموبايل

الجمعة، 25 يونيو 2010 02:17 ص
المصريون يخططون لدخول الجنة بالفيس بوك ورسائل الموبايل
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا خلاف على أن الدين من أهم أساسيات الحياة، ولولا الدين لأصبحت الدنيا غابة، وانتشرت الرذائل وكثرت الفواحش، ولا خلاف أيضا على أنه من أبسط الحقوق المدنية أن من حق كل فرد أن يحب دينه ويعتز به ويجاهد من أجله، مادام اعتزازك بدينك لا يؤدى إلى أن تستخف بأديان الآخرين، ولا أن تحقر أحدا أو تظلمه، وهذا ما أمر به القرآن الكريم حيث قال «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ»، كذلك قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم داعيا إلى عدم الاعتداء على أصحاب الديانات الأخرى «من آذى ذميا فأنا خصيمه»، إذن فقد كفل الإسلام حقوق الناس أجمعين، كما شجع على أن نحب ديننا وننصره، وليس فى هذه الصيغة العاقلة المتزنة أخطار ولا مخاوف، لكن الخطر الحقيقى أن يصل استخفافنا بالدين إلى الحد الذى نترك فيه تعاليم ديننا ومكارم أخلاقنا، ونهجر روح الدين السمحة الودودة، ونتخيل أن الطريق إلى الجنة لا يكلف أكثر من ضغطة على زر «إرسال» فى الإيميل، أو عمل «دبل كليك» للاشتراك فى جروب، أو دفع نصف جنيه مقابل تثبيت نغمات على شكل أدعية وابتهالات، وغيرها من وسائل استجلاب الحسنات عن طريق الوسائل الإلكترونية الحديثة التى ننسى أنها من صنع الغرب الذى نقول إنه «كافر».

حالة غريبة من التساهل فى التعامل مع الدين والتظاهر به، جعلت حياتنا تبدو كما لو كنا نعيش حياتنا للاستعراض بالتدين وإيهام الغير بأننا متدينون، دون أن نفتش فى أنفسنا عن معنى الدين وجوهره وأهدافه وأوامره الحقيقية التى تكفل للإنسان أن يعيش عيشة كريمة ونقية وصافية، وهذا السباق المحموم الذى انتشر بشدة هذه الأيام خاصة بعد تعدد وسائل الاتصال الإلكترونية وتوغلها فى معظم تفاصيل الحياة، دفع البعض إلى المزايدة على الناس ومحاصرتهم بكل الوسائل التكنولوجية الممكنة باسم الدين، ولا أبالغ إذا قلت إن الإسلام هو أكثر المتضررين من هذه الأفعال، لأن اشتداد المحاصرة بالدين يجعل من الأحاديث والآيات والأدعية مادة استهلاكية عابرة، ويجعل من قدسيتها شيئا عاديا، أى أن هذه المحاصرة التى قد تكون غير مرغوبة فى بعض الظروف الخاصة كالمرض أو العمل تضر مقدساتنا وتجعلها فى مكانة مختلفة عن مكانتها الأصلية، كما ترسخ فى الناس الإحساس بأداء واجبهم الدينى بضغطة زر، ونسيان أداء الواجبات الأساسية التى تجعل من الناس بشرا أسوياء تسودهم المحبة والود والتراحم.

1 - على الإيميل «انشرها ولك الأجر والثواب»
بالتأكيد فوجئت ذات يوم أثناء تصفحك البريد الوارد بإيميلك الشخصى برسالة تدعوك لنشر دعاء، ويقول المرسل إنه «لم يدعُ بها مسلم فى شىء إلا قد استجاب الله له»، وفى النهاية يقول «وزعها على كل من عندك ولك الأجر والثواب وتخيل أخى الكريم لو أنك نشرت هذه الرسالة بين عشرة من أصدقائك - على الأقل - وكل صديق منهم فعل كما فعلت أنت وهكذا، وكل حسنة بعشر أمثالها، انظر كم كسبت من الحسنات فى دقيقة».. وهكذا يعدنا مرسل الإيميل بالجنة وأنهارها وحور عينها وخمرها وعسلها بمجرد أن تختار عشرة من أصدقائك وتضع عنوانهم الإلكترونى فى خانة الإرسال، ثم تضغط «إرسال» وتفوز بالجنة ونعيمها وتأخذ حسنات لا عدد لها إلى أبد الآبدين، كل هذا فى دقيقة واحدة، بدون أن تتعب نفسك، والأشد عجبا من هذه الرسائل تلك التى تقول إن إمام الحرم المكى رأى الرسول فى المنام وأوصاه بعدة وصايا بعد أن أبلغه قلقه من حالنا نحن المسلمين، ويطالبك صاحب هذه الرسالة بنشرها وتعميمها ليرزقك الله كما رزق من نشرها، وإلا استحققت أشد العقاب وضربت عليك الذلة والمسكنة، ونتيجة لعدم منطقية هذه الرسائل وصل الأمر بالبعض إلى أن يؤلف على غرار هذه الرسائل الوهمية رسائل أخرى ولكن بلغة السخرية، فيقول لك مرسلها الساخر: قل «من صغره وصغر سنّه عارف معنى إنه، من قلبه وروحه مصرى والنيل جواه بيجرى» عشر مرات، وأرسل هذه الرسالة إلى عشرة أشخاص، وسترى بكار فى منامك، واذا أرسلتها لأكثر من عشرة سترى بكار بالألوان، وسيأتيك كابتن ماجد، واحتمال نينجا ترتلز، ثم يحذرك «لا تهمل هذة الرسالة، أرسلتها لشخص وأهملها فانقطعت عنه قناة سبيس تون، وشخص آخر عمل بها فرزق بشريط ميكى ماوس الأصلى، وأرسلتها إلى شخص واستهزأ بها فتحول إلى بوكيمون».

2 -رسائل الموبايل
حينما كان عدد مستخدمى المحمول فى مصر 25 مليون شخص، كانوا يتبادلون رسائل الأدعية فى ليلة رمضان بما يعادل 2.5 مليون دولار، والآن وقد اقترب العدد من الـ60 مليون مشترك فمن المتوقع أن تزيد نسبة الرسائل مرة ونصفا، تتكلف ما يقرب من 6 ملايين دولار أو 38 مليون جنيه، كل هذا فى ليلة واحدة، أى أن تبادل الأدعية كلف اقتصاد الدولة فى ليلة واحدة كل هذا القدر من الأموال دون أن تعود الفائدة لأى شخص غير أصحاب شركات المحمول، وهذا الرقم الكبير يكفى لبناء مستشفى أو مدرسة أو مكتبة أو جسر أو أى شىء آخر يعود بالنفع على المواطنين والدولة والمجتمع بأسره، بدلا من التظاهر بالتدين الشكلى الذى لا يعود بفائدة حقيقية عميقة على أحد، وإذا حسبنا ما ينفقه المصريون على مدار العام فى مثل هذه الرسائل فبلا شك سيتضاعف الرقم أضعافا مضاعفة، فى الوقت الذى نعانى فيه من قلة الخدمات وعدم وجود سيولة مالية كافية لتنفيذ الكثير من المشروعات، وإذا أردنا أن نرى حجم المشكلة الحقيقى فعلينا أن نقارن بين فائدة أن ترسل لشخص رسالة بدعاء أو حديث أو آية قرآنية، وأن تقى أحد الفقراء أو الأيتام أو المرضى مذلة السؤال، وتجيب بنفسك أيهما أحق بالإنفاق، وأيهما أحب إلى الله، وأجدى للمجتمع.

3 - المصحف الإلكترونى
الأساس فى العبادة أن يبذل الإنسان جهدا ليتقرب به إلى الله، كما أنه من المفترض أن يحافظ الإنسان على طقوس معينة أثناء ممارسته للأشكال التعبدية المختلفة، لكن فى الوقت الذى يستخدم فيه الغرب وسائل الإيضاح والتكنولوجيا الحديثة فى العلم وتوصيل المعلومات، استخدمنا نحن نفس وسائل التكنولوجيا فى التظاهر بالتدين، والاستعراض المادى فى الحرص على اقتناء وسائل التعبد التكنولوجية، وانتشار المصاحف الإلكترونية، التى لا يشعر مستخدموها بحميمية الإمساك بالمصحف وتقليب صفحاته وحفظ آياته، فمن الأفضل والأكرم أن يحاول المسلم أن يحفظ ما تيسر له من القرآن ليردده فى صلواته وقراءاته كما لو كان خارجا من قلبه، لا أن يلغى قلبه وعقله ويسلمه لمصحف إلكترونى بالألوان والصوت والصورة ليصبح مثل مصحفه مجرد آلة.

4 - نغمات أدعية وابتهالات
فى المواسم والأعياد، وبلا مواسم أو أعياد أيضا، تنتشر إعلانات شركات النغمات الإسلامية، بما فيها من أدعية وابتهالات وآيات قرآنية وأغانى دينية، ومع التأكيد على أن مثل هذه النغمات تشكل اهتماما خاصا لدى البعض إلا أنها تحولت إلى شكل من أشكال الاستعراض غير الحميد، ويلاحظ ذلك بقوة فى وسائل المواصلات العامة مثل الميكروباصات والأتوبيسات ومترو الأنفاق، وصار من الطبيعى أن تجد من يشغل هذه النغمة يترك التليفون بلا إجابة كما لو كان يقول للناس انظروا أنا متدين وأضع نغمة دينية، وفى كثير من الأحيان لا ينتظر أن يطلبه أحد ويبدأ هو فى الاستعراض بنغمته بصوت مرتفع قد يؤذى المتعبين وكبار السن، ثم يصير الأمر مزايدة فيشغل واحد آخر نغمة أخرى بدعاء آخر بينما يختار آخرون أن يشغلوا نغمات أخرى لأغانى حديثة، ويصبح الموقف كله أشبه بالمبارزة، التى يتساوى فيها مشغل القرآن مع مشغل إليسا، ويتفوق فيها صاحب الجهاز الأحدث والنغمة الأعلى، والمتضرر الوحيد هم المرضى والمرهقون، بينما المستفيد الوحيد شركات النغمات التى تتعامل مع الأدعية والآيات كسلعة رائجة تدر عليها أموالا ضخمة.

5 - سرقة برامج التشغيل على الطريقة الشرعية
يعتقد البعض أن المبرمجين ذوى الاتجاهات الدينية المتشددة يعدلون أنظمة التشغيل الإلكترونية لتحتوى على أدعية أو آيات قرآنية أو يريدون بهذا العمل وجه الله، وجلب المزيد من الحسنات، لكن فى الحقيقة يسىء هذا السلوك للإسلام والمسلمين على حد سواء، وليس ببعيد أن تكون هذه البرامج سببا فى جلب المزيد من السيئات، وذلك أن أنظمة التشغيل فى العادة تكون مملوكة للشركات العالمية الأم، ولا يجوز نسخها ولا تعديها إلا بعد استئذان الشركة الأم ودفع تكاليف البرنامج، ولكننا فى مصر لا نتبع هذا السلوك الحضارى فى التعامل مع الشركات العالمية ونسرق هذه البرامج بلا أى شعور بالخجل أو الذنب، لكن ما يزيد الطين بلة أن يقوم مبرمج يدعى أنه يمثل الإسلام بتعديل نسخة التشغيل هذه، فيسرق الشركة ويسىء للإسلام، وإذا دققنا فى هذه البرامج سنجد أن معظمها يثبت موقعا إلكترونيا إسلاميا معينا كصفحة رئيسية، بما يعنى أنك ستكون مضطرا لأن تفتح هذا الموقع عند كل مرة تريد فيها تشغيل الكمبيوتر، وبما يعنى أيضا أنك ستزيد فى نسبة التصفح لهذا الموقع الإلكترونى وبالتالى ستزيد من تلقيه للإعلانات، وبذلك تساهم البرامج الحرام فى زيادة نسبة الدخول الحرام، واكتساب المزيد من الحسنات الوهمية التى إن لم تحتسب لك كسيئات فلن تحسب بالتأكيد كحسنات.

6 - جروبات الفيس بوك «انصر نبيك»
إذا كنت من مستخدمى الفيس بوك فمن المؤكد أنك تلقيت دعوة للاشتراك فى جروب تحت مسمى «حملة جميع المليون مسلم للصلاة على رسول الله»، ويستحلفك صاحب الدعوة للاشتراك فى الجروب كرامة للنبى وحبا فى الدين، أو جروب آخر يدعوك مشتركوه إلى إيقاظك فى الفجر للصلاة برنة من التليفون، أو جروب آخر يدعوك لنصرة غزة ونصرة نبيك، أو حملة عشرات الملايين لإجبار جوجل وفيس بوك لوضع شعار رمضان على الموقع العالمى، بل إن بعض الجروبات تنهرك لعدم الاشتراك بقولها «خلى عندكم كلمة وساووا شى لأهلكم بغزة» والشىء الذى ستسويه طبعا هو الاشتراك فى الجروب، وتحت ضغط هذه الرسائل والإلحاح، وبعد استفزاز الشعور الدينى ستجد نفسك مشتركا فى جروب لتجاهد فى سبيل الله بالاشتراك فقط، فترضى إحساسك بالنضال، وتصبح رقما فى ملايين يتم المساومة بها مع شركات الإعلان التى تدفع أكثر كلما زاد عدد المشتركين فى الجروبات

7 - الجهاد بالتعليقات
إذا كنت من هواة تصفح المواقع الإخبارية على الإنترنت فمن المؤكد أنك ستشك كثيرا فى طبيعة تكوين المجتمع المصرى إذا قرأت التعليقات المصاحبة للأخبار على موقع «اليوم السابع» مثلا، فمن المعروف أن شعب مصر يميل إلى احترام الدين، لكنه أيضا يحب الحياة، وهذا ما يكاد يغيب عن التعليقات على المواقع الإلكترونية، ويهيأ للواحد أن كل مصر مجاهدون فى سبيل الله على المواقع الإلكترونية، ليمارسوا إرهابا فكريا ويسيدوا اتجاها فكريا واحدا يدعو إلى عدم التفكير وعدم المناقشة وعدم البحث والتجديد، ولا يكاد يتم نشر خبر مثلا عن صدام بين دعاة التيار المدنى والتيار الدينى حتى تجد مئات التعليقات التى تسب وتشتم وتكفر بلا أدنى تردد أو تفكر، يكيل فيها أصحابها الشتائم والسباب إلى الكتاب والمفكرين، ليشوهوا بذلك الهجوم غير المتزن صورة المسلمين ويظهروهم وكأنهم صم بكم عمى لا يعقلون.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة