مدحت قلادة

لماذا تخلفت مصر؟

الجمعة، 25 يونيو 2010 06:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سافرت لمدة عشرة أيام إلى كوريا الجنوبية، وبعين فاحصة تأملت حال البلد، نظافتها شوارعها حالة المرور بها شعبها الطيب الودود، وأخذت أقارن بين بلدى مصر وبين هذا البلد العملاق اقتصادياً، عرفت أن الدخل القومى لكوريا الجنوبية أكبر من دخل دول الخليج مجتمعة بما فيها عائدات البترول، ووجدت نفسى بتلقائية أصاب بحالة من الحسرة والألم، وإذ فقدت التحكم فى عقلى ظل شارداً فى مقارنات بين بلدى مصر الحبيبة ودول أخرى مثل الصين، وتعجبت من شعبها الدؤوب الذى غزا بإنتاجه جميع دول العالم غزواً اقتصادياً شريفاً، صاحب المدرسة الاقتصادية الجديدة "دراسة احتياج الشعوب" فصدر المنبه الإسلامى "بتغيير الرنات إلى آذان" والسجادة ذو البوصلة والصور الدينية للشهداء والقديسيين المسيحيين والآيات الإسلامية.. فانتقلت مليارات الدولارات من دول المنطقة لأهل تلك البلد الجادين، واستنزف موراد الشعوب الخاملة "المتخلفة" التى لا تجيد سوى التغنى بالمجد العتيد
والشعارات الرنانة!!

نظرت بعين الحسرة على أسبانيا اتضح أن دخلها القومى من السياحة يفوق دخل دول الخليج من البترول، واكتشفت أيضا أن أسبانيا لا تملك ما تملكه مصر من آثار أو مقومات سياحية، المدهش أن مدينتى الأقصر وأسوان فقط يملكان 33% من كنوز الآثار العالمية، ومع هذا دخل مصر من السياحة متواضع جدا بالمقارنة بموارد أسبانيا.

والهند صاحب المليار نسمة استثمرت فى شعبها، وأصبحت الأولى عالميا فى إنتاج السوفت وير.. فألمانيا العملاقة منذ خمس سنوات منحت خمسائة فيزا ميسرة للهنود القادمين للعمل فى سوق السوفت وير بها.

تأملت دولاً كثيرة لا تملك ما نملكه من ثروة بشرية أو كنوز سياحية وطبيعة خلابة، وأخذت أتساءل لماذا نحن متخلفون؟، لماذا مصر كلما تقدم بها التاريخ ضرب التخلف والتأخر بجذورها ؟، والمحير فى الشأن المصرى أنها لم تتخلف عن الركب الأوروبى فحسب بل تخلفت أيضا عن الدول المحيطة بها، فقد تخلفت حتى عن بعض دول الخليج؟ لماذا؟
هل انعدام الموارد الطبيعية؟
هل انعدام الموار البشرية؟
هل الطقس؟

هل وهل أسئلة كثيرة أعادتنى بالذاكرة إلى أيام الدراسة بالجامعة، فى محاضرة الدكتور على لطفى رئيس الوزراء السابق، فى مادة "موارد وتنمية" بكلية التجارة بجامعة عين شمس، أرجع خلالها الدكتور على لطفى أسباب تخلف دول العالم الثالث إلى عدة أسباب، أذكر يومها أنه قال "أهمها الاستعمار"؟!

ولكن هل الاستعمار كان ومازال سبباً كافياً لتخلفنا؟، العديد من الدول كانت مستعمرة، والآن أصبحت عملاقة اقتصاديا، كوريا احتلت من اليابان لسنوات واليوم تمتلك سيادة اقتصادية وماركات عالمية تضارع اليابان وأمريكا وألمانيا فى صناعة السيارات: هونداى وكيا ودايو، بخلاف ريادتها فى الصناعات والأجهزة الإليكترونية مثل سامسونج.

إذا كان الاستعمار ليس سبباً كافياً لتخلفنا، هل من الممكن أن يعود هذا التخلف إلى الزيادة السكانية؟، ربما خاصة وأن الرئيس مبارك قد اشتكى كثيراً فى كلماته من الزيادة السكانية وتأثيرها السلبى على النهضة الاقتصادية، لكن بنظرة سريعة على دول بحجم الصين والهند، يتجاوز عدد سكان كل منها المليار، ومع هذا تهدد عروش الدولة الأولى فى العالم، وقد تم ترشيح الصين خلال العشر سنوات القادمة لكى تحتل الدولة رقم واحد عالمياً محل الولايات المتحدة الأمريكية، فى الوقت الذى أصبحت فيه الهند فى المركز الأول عالميا لإنتاج السوفت وير، واستطاعت حكومة كل من الصين والهند فى تحويل الزيادة السكانية إلى ثروة بشرية تنتج وتبدع كل ماهو جديد!!

ربما يكون سوء ورداءة المناخ فى المنطقة هو السبب فى التخلف، فقد سمعنا قديما أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدى إلى الخمول الجسدى والتبلد الذهنى، لكن الذى ينظر إلى دولة ماليزيا التى تقترب درجة الحرارة بها من الدرجات المرتفعة فى بعض دول المنطقة، يتضح أن ارتفاع درجة الحرارة لم يؤثر على الحكومة ولا الشعب الماليزى، حيث فاق التقدم الاقتصادى هناك جميع التوقعات العالمية، والتطور الاقتصادى هناك أكد عدم صحة ما نسب للمناخ وارتفاع درجات الحرارة من مسئولية التبلد والخمول والتخلف.

بصراحة لم يعد أمامنا سوى الديانة، وفى مصر المسيحية والإسلام، فهل شدة تدين المصريين هى التى دفعتهم للتأخر؟، هل المسيحية والإسلام لا يشجعان المؤمن بهما على العمل والتطور؟، هل تتضمن هذه الديانات نصوصا ًتمنعهم عن التعلم والابتكار؟، ما أعرفه وعلى يقين منه أن الديانة الإسلامية تتضمن العديد من الآيات التى تحض المسلم على التعلم وعلى العمل وعلى التفكر وعلى التدبر: "العمل عبادة" و"قل اعملوا".. وما أعرفه أيضا أن المسيحية تقدر العمل وتؤمن أن عمل الإنسان الجيد برهان على إيمانه الجيد طبقا لقول يعقوب الرسول "أرينى إيمانك بدون أعمالك.. وأنا بأعمالى أريك إيمانى" (يعقوب 5).

إذا كان المناخ وزيادة السكان والديانة والاستعمار ليس له دخل فى التخلف الاقتصادى والعلمى والصناعى فما سبب تخلفنا فى مصر عن الركب الحضارى العالمى؟

أظن أن هناك عدة عوامل منها:
ـ الأنظمة القمعية وإهمالها الاستثمار فى المواطن.
ـ انعدام الحياة السياسية النزيهة فأصبح هناك الحزب الواحد والرجل الواحد وأحزاب كرتونية وطربوشية تسبح بحمد النظام.
ـ بعض رجال الدين الذين اهتموا بالشكليات.
ـ التعصب المقيت الذى غير مقاييس التقدم والترقى من مقاييس أكاديمية إلى شكل ولون ودين.
ـ فقدان الانتماء الحقيقى لمصر.
ـ التخبط الاقتصادى والسياسى، فتارة اشتراكية وأخرى رأسمالية وأخرى بين الاثنين والآن لا نعرف.
ـ ضياع بوصلة العديد من الكتاب والمفكرين المصريين، فسخر الكثير أقلامهم لخدمة النظام أو دول الخليج ودول الجوار.

يقال إن النهوض بمصر يحتاج إلى تكاتف كل القوى السياسية، وإنه مرهون بأحزاب قوية تنافس بشرف وأمانة فى الحياة السياسية، وخطط ثابتة من كل علماء مصر لا تتغير مع تغير الأنظمة، والفصل التام بين الدين والدولة.

السؤال الذى يطرح نفسه هل لو أخذنا بهذه الوصفات سوف نخرج من تخلفنا؟، هل سنتيقظ من كبوتنا وغفوتنا؟، هل سنلحق بالركب التكنولوجى العالمى؟، هل سنتوقف عن استيراد الثقافة وتوطينها وسنشارك فى إنتاجها؟

قيل: الإدارة الحسنة خير من الدخل الجيد "مثل برتغالى".. وقيل أيضا: القيادة الصالحة توجد أتباعاً صالحين "مثل هولندى".








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة