لو كنت قد قرأت من قبل واحدة من حواديت طارق إمام أو انشغلت بتلك الخطوط الدرامية التى تسبح بسلالسة وبساطة فى إحدى رواياته، فأنت بالطبع لا تحتاج منى إلى تلك الكلمات التى تمدح ذلك الحكاء الجميل، أما إذا كانت عاداتك القرائية قد جنبتك فى الوقوع فى ذلك الفخ الجميل والسقوط فى بئر الإثارة والصراع التى تصنعها روايات وحواديت طارق إمام فدعنى أخبرك أن الكثير قد فاتك طالما لم تقرأ "الأرملة تكتب الخطابات سرا" أو تستمتع بشريعة القطة أو تكتشف بنفسك عوالم أديب جديد ومختلف فى "هدوء القتلة".
أرجوك لا تتسرع وتعتقد أن السطور السابقة هى مجرد محاولة لتسويق بضاعة روائية فى زمن أصبحت فيه الروايات والروائيون والأدب والأدباء أكثر من القراء، فبضاعة طارق إمام ليست راكدة ولا تنتمى لتلك الأنواع التى تكسوها الأتربة من طول الانتظار على الأرفف أو داخل تلك الكراتين التى تعشق التواجد أسفل السرير أو الاختفاء داخل القبو المنزلى، بضاعة طارق إمام الأدبية تتميز عن الموجودة فى السوق بالاختلاف ليس فقط فى السرد والحكى وجودة صناعة الخيوط الدرامية وتعقيدها ثم فكها وتركيبها مرة أخرى، ولكن لأنك أو لأننى حينما أقف أمام سطوره أشعر بشئ ما من الماضى يغذيها ربما هى تلك رائحة تلك الأصالة التى نبحث عنها الآن بلا جدوى، أو هو ذلك النضج الذى أصبح نادرا فى وسط أدبى يعانى من حالة هياج وتهور غير مفهومة،أو ربما هى تلك التركيبة الغير مفهومة التى نولد بها ونفاجئ مع مرور الزمن أن السماء قد منحتنا إياها وميزتنا بها دون الآخرين.
كل هذا الإنشاء السابق و الطويل يمكنك أن تعتبره إعجابا من قارئ لأديبه المفضل، ويمكنك أن تعتبره أيضا تحية من صديق لصديقه إن كنت تعانى من هوس نفسى يفرض عليك أن تعتبر كل مدح فى هذا الزمن نوع من أنواع المجاملة.. ولكننى أرجوك أن تتغاضى عن كل تلك التفسيرات وتعتبره تضامنا واجبا مع أديب شاب متميز لم ترحمه منظومة الفساد والعشوائية وحطت عليه وعلى موهبته بأشيائها الكريهة، وكأنها منظومة خلقت وتطورت لإعدام المواهب الشابة وزرع الإحباط على أول الشوارع والنواصى التى يمر بها الحالمون بذلك الوطن الأفضل.
مافعله المجلس الأعلى للثقافة حينما قدم مذكرة سحب جائزة الدولة التشجيعية فى الرواية من الروائى "طارق إمام"، والتى أعلنوا حصوله عليها هذا العام، عن روايته "هدوء القتلة " بدعوى" الإخلال بقانون الجائزة ليس مجرد إجراء روتينى أو خطأ تنظيمى أو خلل قانونى أو حتى مؤامرة شريرة بل هو فصل آخر ضمن فصول مسرحية عبثية تدور أحداثها على مسرح حياتنا وللأسف كل الأسف يقتصر دورنا فيها على الفرجة وتقطيع أحبالنا الصوتية من الهتاف والصراخ وأيدينا من كثرة "التصقيف".. أنا متضامن مع طارق إمام لأننى ضد العبث.. أنا متضامن مع طارق إمام لأننى قررت ألا أصفق إلا بمزاجى أو أهتف إلا لمن يستحق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة