البعض منكم سيعتبر الأمر غريبا حينما يبدأ فى قراءة السطور القادمة ويكتشف أنها تدور حول يوم القيامة وعلاماته ومقدماته، سيندهش ويسأل عن الهدف وسينظر للتوقيت وسيراجع ذاكرته إن كان قد مر عليها فى الأيام الأخيرة أحداث تتعلق بهذا الشأن، وحينما تخبره الذاكرة أنه لا شىء خطيرا أو كبيرا قد حدث مؤخرا وله علاقة بيوم القيامة سيسأل نفسه فيما الحديث عن يوم القيامة فى هذا التوقيت إذن؟!
الذين يرون الأضواء المبهرة فى السماء يرجعون ظهورها لعلامات يوم القيامة قبل أن يفتشوا فى كراسات العلم، والذين تصادفهم أى تشوهات جينية أو عيوب خلقية يحدثونك عن اقتراب الساعة قبل أن يسألوا أهل الذكر عن درو التغيرات البيئية فى ذلك، والمشايخ يبادرون بالتأكيد على أن الساعة قد اقتربت وأن القمر سينشق وأن غضب الله قد حل حينما تخبرهم أن هناك زلازل فى الدولة الفلانية أو بركانا فى المنطقة العلانية دون أن يفكر أحدهم بالاستعانة بأهل الجولوجيا وعلم طبقات الأرض، حتى نحن كلما نقرأ عن متهور قتل والديه أو أم قاسية عذبت طفلها حتى الموت أو شاب بائس انتحر شنقا أو من فوق كوبرى قصر النيل، نسارع بتحميل المسئولية ليوم القيامة قائلين إنه قد اقترب وأن هذه هى علاماته..
من تلك الزاوية يمكنك أن ترى الأمر على أنه محاولة أخرى من بشر أعيتهم الأعباء والمشاكل لتحميل همومهم وأخطائهم على كتف شخصية اعتبارية لا تسألهم ولا تحاسبهم حينما يضعون فى أعناقها تلك الكوارث، ومن زاوية أخرى يمكننا أن نرى معا وجهة نظر مختلفة تقول بأن هؤلاء الذين طحنتهم الظروف، وأعياهم قلة العلم والوعى والمعرفة يتخلصون من يأسهم وبأسهم بالانتظار.. انتظار النهاية، بدليل أنهم يحفظون علاماتها ومشغولون بتتبع مقدماتها أكثر من أى شىء آخر، فحينما تعرف أن البحث عن يوم القيامة وعلاماته الصغرى والكبرى على جوجل أكبر محرك بحثى علمى قد تجاوز عشرات الملايين، وحينما تجد أن ملايين الصفحات والمواقع سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية تضع على رأس أولوياتها البحث فى شئون علامات يوم القيامة وتتبع أطراف تلك العلامات فى بقاع العالم المختلفة، لابد أن تتوقف لتسأل نفسك: ما سر هذا الاشتياق إلى النهاية؟
حينما تذهب إلى المساجد ولا تجد أحدهم يخطب أو يتحدث عن شىء آخر سوى العذاب والنار والجنة وعلامات الساعة، وتنظر إلى أرفف المكتبات الدينية وتجد وفرة وغلبة للكتب التى تدرس علامات القيامة وتتحدث عن أهوال ذلك اليوم، فلابد أن تتوقف لتسأل هل كل هذا اشتياق إلى النهاية أم أنه اليأس هو الذى يخلق فكرة الهروب إلى كل ماهو غيبيى ومجهول للبشر؟ أم أنه الخطاب الدينى الذى يعانى من حالة توهان وعدم قدرة على استيعاب هموم الناس ومشاكلها وأسئلتها؟
الكل يبحث عن علامات يوم القيامة إذن، والكل مهووس بملاحقتها فى بقاع العالم المختلفة، حتى أن النصابين ومحترفى بيع الهواء فى "قزايز" استغلوا تلك اللهفة وصنعوا قصصا وهمية باعوها للناس أو لراغبى الجرى خلف علامات يوم القيامة، فرسموا لوحات لأشجار تشكل كلمات مثل لا إله إلا الله وقالوا إنها صور لأشجار حقيقية فى الغابات وتلاعبوا فى وجوه بعض الحيوانات وجعلوها مسوخا غريبة وقالوا إنها حقيقة حيرت العلماء، وصاغوا قصصا عن الشمس التى اهتزت وتلونت بغير ألوانها والقمر الذى أصابه الجنون، والرجال الذين شاهدوا كائنات غريبة والشيوخ الذين فاجأتهم الرؤيا وزراهم النبى الكريم عليه الصلاة والسلام ليخبرهم بالموعد الحقيقى ليوم القيامة ..
هى إذن صناعة من نوع مختلف وتجارة رائجة لنصابين محترفين يسقط فى فخاخهم اليائسون المحطمون مستعجلوا النهاية والباحثون عن النجاة من نار الدنيا وبالمرة غير الراغبين فى المواجهة..
هى إذن تجارة رائجة بالغيبيات يهيم بها الكثيرون، رغم أن الأحاديث النبوية وكتب الفقه قد حددت وبوضوح العلامات الصغرى والكبرى وأخبرتنا أن الصغرى تتكرر ونحن شهود بأنفسنا على تكرارها، رغم أن أغلبها يتعلق بأخطاء بشرية أصيلة قرر الضعفاء منا أن يكفوا عن مواجهتها ويعتمدوا على تحميلها لذلك المصطلح المعروف "علامات يوم القيامة"، وكأنهم يبرئون أنفسهم من الأمر بالإشارة إلى أنه إلهى ولا دخل لهم به..إنظر إلى قائمة علامات يوم القيامة الصغرى وستعرف، وسأشرح لك ما أقصده بالكلام السابق بالضبط..
المعروف أن علامات يوم القيامة مقسمة إلى صغرى وكبرى .. الصغرى تتقدم حصول القيامة بمدة طويلة، ومنها ما وقع وانقضى - وقد يتكرر وقوعه - ومنها ما ظهر ولا يزال يظهر ويتتابع ، ومنها ما لم يقع إلى الآن..
وبالنسبة لما ظهر أو وقع منها ستجد مثلا بعثة النبى صلى الله عليه وسلم وموته، فتح بيت المقدس، وظهور نار الحجاز، وكثرة الزلازل، وظهور الخسف والمسخ ، وصدق رؤيا المؤمن، وانكشاف الفرات عن جبل من ذهب، وكلام السباع والجمادات للإنس، وظهور مدَّعى النبوة، وانتشار الربا، وكثرة شرب الخمر.
السابق من العلامات ربما لا يلفت أنظارك ولا يجذب انتباهك، أما القادم فى السطور التالية فهو ما أحتاج لأن تركز معه كثيرا لكى تدرك أن يوم القيامة ربما يكون أقرب إلينا مما نتخيل .. فمن علامات يوم القيامة الصغرى استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة، وهو أمر يحدث فى مصر الآن ببجاحة منقطعة النظير، ففى الوقت الذى يتفنن فيه رجال الأعمال فى بناء القصور وإقامة حفلات تتكلف الملايين، يعيش الملايين من فقراء مصر فى فقر وجوع، ومن العلامات الصغرى أيضا ضياع الأمانة وأبرز مظاهر تضييع الأمانة التى ذكرتها كتب الحديث هى إسناد أمور الناس إلى غير أهلها القادرين على تسييرها، وهو أمر أصبح حدوثه فى مصر طبيعيا والدليل عشرات الوزراء وآلاف المسئولين الكبار الذين لا يفعلون شيئا سوى الإفساد ونشر المزيد من العشوائية بقررات غير مدروسة..
ومن ضمن العلامات الصغرى أيضا قبض العلم وظهور الجهل، وكما تقول كتب الحديث يكون ذلك بقبض العلماء ونحن فى بلد لا يهان فيه أحد بقدر ما يهان العلماء، ومن العلامات الصغرى انتشار الزنا ونحن فى مصر الآن نعيش عصر أصبحت فيه وقع كلمة الزنا كوقع الشريف من الكلمات، بل نعيش فى عصر أصبح فيه زنا المحارم هو الأساس.
كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق وكثرة القتل من بين العلامات الصغرى، ونحن فى مصر الآن نتابع يوميا الغريب من حوادث القتل وأصبح من السهل أن نقرأ خبرا عن أب قتل أولاده أو ابن قتل والديه، وأصبحت شهادة الزور وكأنها نكتة وكتمان الشهادة الحق وكأنه عادة.. انظر إلى الانتخابات والتزوير وتلفيق القضايا وستدرك الحقيقة كاملة.. انظر إلى ما يحدث على الساحة السياسية وراجع ماحدث فى قضية تعذيب خالد سعيد وتحريات الشرطة وتحقيقات النيابة، وتأمل قضايا الفساد التى أصبحنا نتحدث عنها وكأنها مقرر يومى، وستدرك بنفسك أن القيامة قد قامت بالفعل، وأن أهوالها قادمة حتى وإن تأخرت قليلا..
وهل تريد أكثر من الفساد والإفساد فى الأرض علامات ليوم القيامة أو مؤشرات على الغضب السماوى القادم نحونا؟ هل أدركت الآن أن الحديث عن يوم القيامة وعلاماتها ليس أمرا مرتبطا برؤية نور أبيض غريب فى السماء أو حيوان بثلاث أرجل أو طفل وجهه على هيئة قطة؟ هل أدركت الآن أننا فى مصر نعيش مقدمات يوم القيامة سياسيا ونقترب من الموعد الربانى ليوم الآخرة؟ هل أدركت أن هذه العلامات الصغرى اختبارات إلهية لحساب مدى قدرتنا على المواجهة والإصلاح أكثر من كونها مجرد إشارات على يوم لا يعلم ساعته إلا ربى؟ هل أدركت الآن أن علامات يوم القيامة هى مؤشرات لفشلنا وبؤسنا ويأسنا أكثر منها مؤشرا على ساعة لا يعلم متى تحين إلا ربى وربك ورب العالمين؟