بلاعة فساد وانفجرت والكل يتفرج عليها من البلكونة، الحكومة والحزب والبرلمان، بل إنهم يبدون حريصين على مشاعر المرتشين والفاسدين. كل هذه الرشاوى والمحسوبية لم تثر حتى الآن غضب الغاضبين، أو مشاعر الشاعرين، ومازال الفاعل مجهولا بفعل فاعل، ربما لأنها رشاوى لمسؤولين كبار فى العلالى والطبقات العليا. نسمع عن رشوة مرسيدس التى دفعتها الشركة الأم لمسؤول مصرى من أجل ترويج منتجاتها، ورغم شيوع الموضوع منذ شهور وانتقاله إلى النائب العام ومجلس الشعب، تحدث نواب وطلبوا إعلان اسم المرتشى وهددوا بإعلانه من طرف واحد، إلا أن الدكتور فتحى سرور، رئيس المجلس الموقر، رفض وقال إنه سيعلن فى الوقت المناسب، وكل فترة وزير أو مسؤول يمثل دور المسؤول ويغنى الأغنية الشهيرة: «لن نتستر على فساد وسوف نعلن كل حاجة فى الوقت المناسب؟»، وهو خوف ورقّة مبالغ فيهما على مشاعر السيد المرتشى، وكأنه لايصح أن تفضح الحكومة أو البرلمان رجلا أكلوا معه «عيش وملح» ولهم معه ذكريات. وأنه علينا أن نقدر مشاعر الحكومة والبرلمان وهما يحاولان حماية سمعة مرتشٍ، وربما كانوا يدخرون اسمه لفوازير رمضان.
وقبل أن تجف أخبار رشوة مرسيدس أتحفتنا ألمانيا وأعلنت أنها تحقق فى رشوة جديدة دفعتها شركة حديد لمسؤول أو مسؤولين فى مصر لتسهيل صفقات بعدة ملايين من الدولارات. طبعا نحن نعلم بالمرتشين من الخارج، وربما تكون هناك مؤامرة لفضح المرتشين المحترمين عندنا، وفضحهم لضرب قوة الفساد عندنا، فى وقت يحرص فيه المجلس الموقر والحكومة الموقرة على سمعة الفاسدين ومشاعرهم.
ويبدو بالفعل أنها مؤامرة لضرب سمعة المفسدين الكبار، فقد تزامنت رشاوى مرسيدس والحديد مع الإعلان عن فساد السادة النواب الموقرين فى قرارات العلاج على نفقة الدولة، «ديمقراطية من إياهم» كان يمكن فى أى دولة ضعيفة أن تهدد جنبات السلطة التشريعية، لكننا- نحن المتعايشين مع الفساد- لانتأثر بمثل هذه القضايا التافهة، التى لايمكن أن توقف المسيرة، وماذا يعنى أن يتاجر نواب بالوطنى فى قرارات علاج، أو الاتجار فى كراسى المعاقين والميتين، ومعروف أن النائب الحى أبقى من المريض الميت، ولهذا عند انكشاف الفساد خاطب مجلس الشعب وزارة الداخلية لإجراء تحريات يقال إنها أرسلت وتاهت فى الطريق، لأنهم اكتشفوا أن المتورطين موقرون من الحزب الموقر، وهو أمر يمكن أن يضر بسمعة نواب سوف يترشحون رغم فسادهم، وحرصا على صورتهم أمام ناخبيهم، ولاداعى لتشويه صورة المرشحين الموقرين، الذين يحتاجهم الحزب تأكيدا للنزاهة والشفافية، والممارسة من أجلك «أنت وهو».
ولا يريد موسم الشفافية أن ينفض، فقد رأينا كيف باع وزير الإسكان لنفسه جزيرة آمون بأسوان، وقبل أن يتم إغلاق الملف، قضت محكمة القضاء الإدارى ببطلان عقد «مدينتى»، التى حصل مستثمر رئيسى على أرضها مجانا، مساهمة فى إسكان المليونيرات من أصدقاء رشوة مرسيدس وألمانيا، أما لماذا تثار كل هذه القضايا، ربما التسلية قبل الانتخابات والمزيد من الفرجة، ولن تنهد الدنيا، فقط سيقولون للفاسد عيب «كخ».. فضحتنا.