على عكس كل التصورات والتوقعات والاستنتاجات، اكتشفنا أن لدينا عملية انتخابية غير مسبوقة، وأن عدد من يدلون بأصواتهم يمكن أن يتجاوز أعداد المسجلين فى جداول الانتخابات، والصوت الانتخابى يمكن أن يتسرب إلى الصندوق بدون صاحبه.
وبالرغم من الحر الشديد والتراب والخماسين رأينا كيف تهافت الناخبون على اللجان بمئات الآلاف. والنتيجة اكتساح مرشحى الوطنى مع فاسوخة نجاح عدد من مرشحى الأحزاب هنا أو هناك، وبالمصادفة ليس من بينهم مرشحون للإخوان أو الوفد، بالرغم من أن بعض مرشحى الجماعة أعضاء فى مجلس الشعب لهم شعبيتهم.
وكان يمكن تمرير واحد أو أكثر لزوم الإخراج والكذب" المحبوك"، و"ذرا للأصوات فى الصناديق"، لكن ما جرى أن عددا من أنصار الحزب الوطنى ظهروا فى الصور والتسجيلات وهم يحملون الفكر الجديد فى صورة شوم وعصى، تأكيدا على النظرية "الشوموقراطية"، التى تعنى أن " صوت الناخب أمانة عند الحزب الوطنى".
قالوا إن 119 ألف ناخب ذهبوا إلى الانتخابات فى دائرة الرمل بالإسكندرية، وإن كل مرشح للوطنى حصل على 110 آلاف صوت و532، واحتفظ المنافسون بالباقى، وقالوا إن وزير الأوقاف حصل بالدقهلية على 284 ألف صوت وشوية، ومرشح العمال على 246 ألف صوت، ونفس الأمر تكرر فى دوائر أخرى حصل فيها المرشح على 143 ألف صوت أو 100 ألف صوت، وستجد رقم الـ100 ألف فما فوق يتردد كثيرا، وهو رقم لا يمكن أن يساوى عدد الذين ذهبوا على مستوى الجمهورية بعد الحشد والزحام.
هناك مثل يقول " الكذب المتساوى أحسن من الصدق المنعكش"، لكن انتخابات التجديد النصفى ونتائج اللجنة العليا أثبتت أن الصدق والكذب كلاهما" منعكش".
فالبرغم من الحر والتراب قالوا إن مئات الآلاف ذهبوا للجان وصوتوا، رأينا أرقاما بعشرات الآلاف من الناخبين تتوجه ـ على الورق ـ إلى لجان الانتخابات التى لم تشهد حضورا يذكر باستثناء لجان الإخوان الذين حشدوا ناخبين تم منعهم فى الغالب من الذهاب إلى اللجان.
الحزب الوطنى لم يكن فى حاجة لكل هذا والمنافسة لم تكن شديدة كان من الممكن أن يفوز الحزب بأكثر من 70 فى المائة من الدوائر من دون ذهاب الناخبين، ولا أحد يحسب وراء الحزب ولا اللجنة العليا.
ورأينا فى بعض الدوائر 400 ألف ناخب والبعض الآخر 300 ألف، تم تقسيمهم على المرشحين بشكل ظريف، الوطنى 162 ألف وآخرين كل منهم حصلوا على عشرات الآلاف، وكأنهم يعدون حبات أرز وليس ناخبين، وحتى المنافسين فإن الواحد منهم لا يساوى ألف صوت ومنحوه عدة آلاف.
لم يذهب إلى اللجان بأنحاء دوائر مصر ما يتجاوز النصف مليون، لكن الأرقام المعلنة تخبرنا أن مئات الألوف انطلقوا من الصباح الباكر وتحدوا الحر والتراب والغبار من أجل أن يمارسوا العملية الديمقراطية.
ويبدو أن التصويت جاء فى هذه المرة زائدا عن الحد لدرجة أن بعض اللجان كان الحضور فيها أعلى من الأرقام الحقيقية بعد تنقية الجداول من المسافرين، والذين انتقلوا لدوائر أخرى أو إلى رحمة الله.وربما اكتشفنا أن 80 مليون ناخب ذهبوا إلى الانتخابات. أو ربما تم استيراد أصوات من الخارج ولدى الصين حسبما نعلم منتجات انتخابية جديدة، علب كل علبة فيها ألف صوت توضع للمرشح بمجرد فتح الغطاء وإذابتها فى الماء.