قديما كانوا يقولون لنا: لا تنظر إلى النصف الفارغ من الكوب، وانظر إلى النصف المملوء من الكوز، وحاليا بعد بناء إثيوبيا لسد «تانا» لن نجد أى نصف مملوء، ليس لننظر إليه ولكن لنشرب منه.
أنا شخصيا أكتب هذا المقال وأنا عطشان حتى أوفر شربة ماء للأيام القادمة، فكلنا نذكر فيلم «فجر الإسلام» حين عذّب الكفار المسلمين، وتركوهم يعانون العطش فى الصحراء، حتى ينحنى الرجل المسلم الأسود ويسف التراب متخيلا أنه بهذا يبل ريقه، ويأخذ زميله زلطة من الأرض يمصها، حتى جاء لهم الممثل الذى يحب نجوى إبراهيم بالمياه، فشربوا وتوضأوا للصلاة.
الكفار رغم هذا لم يكونوا يستعملون الماء بشكل جيد، لكنهم كانوا يمنعونه كنوع من «الرخامة»، بدليل ما قالته سميحة أيوب لمحمود مرسى: ألا تستحم يا رجل؟
سيقطعون عنا المياه، وسيهتز تراثنا كله، فلن تغنى الفتاة لحبيبها: «عطشان تعالى اشرب، خد منى كوباية»، ولن يغنى أحمد عدوية لحبيبته التى وصفها بأنها «فروتة وأناناس» قائلا: «المية فى إديكى يا حلوة وعدوية عطشان»، وسيقلق عبدالوهاب فى تربته نادما على ما آل إليه النهر الخالد الذى قال له: «يا نيل يا أسمر»، وسيمنع التليفزيون إذاعة الأغنية الأسطورية لمحمد ثروت وهانى شاكر وهما يتدلدلان فى النيل ويقولان: واملا كفوفى م النيل وأشرب حلوة المية لو مصرية. حتى بكّار سيعانى من مشكلة خطيرة، لأنه كما نعلم جميعا: من قلبه وروحه مصرى والنيل جواه بيسرى.
لن نقول بعد اليوم: نواية تسند الزير، فالزير سيصبح عملة نادرة. ولن نكسر وراء من لا نحبه «قلة»، فالقلة صارت مندسة، ولن يسمى أى أب ابنه حنفى أو ابنته حنفية، ولن تقول العجائز لأبنائهن: «امشى سنة ولا تخطى قنا، ولا صاحب القرش صياد، ولا المركب اللى ليها ريسين بتغرق، ولن يقول الطموح للمتشائم: إنت كده بتكسر مقاديفى».
سنعيش فى جفاف لن يجدى معه محلول الست كريمة مختار الشهير: «إن جاله جفاف اديله محلول، وإن جاله محلول إديله جفاف».
لا تنظر إلى النصف الفارغ من الكوب، ولكن اكسره فلن تحتاجه بعد اليوم، واعتبر نفسك صايم يا أخى، وكمان احمد ربنا إنه هيرحمك من الفشل الكلوى الذى تسببه مياه الصنبور واشرب مياها معدنية، فالناس معادن.
لكن دعنى أسألك سؤالا: ماشربتش من نيلها؟ جربت تغنيلها؟ أنا شخصيا جربت فقالوا لى: اسكت خالص صوتك وحش.