لا شىء يتم تكراره الآن على شاشة التليفزيون المصرى والمحطات التابعة له أكثر من الإعلانات والبرامج التى تشجع المواطن على الإدلاء بصوته فى انتخابات الشورى وكل انتخابات قادمة، وليس على التليفزيون فقط اقتصر الأمر، ففى كل شارع وكل حارة وعلى كل محطة راديو وكل صحف الحكومة يمكنك أن تسمع أو تلمح أو تشاهد أو تقرأ إعلانات تشجعك على الإدلاء بصوتك فى الانتخابات.. حملات إعلانية منظمة شارك فيها مئات النجوم، وبالتأكيد تكلفت ملايين الجنيهات تطاردك فى كل مكان وتشعر معها أنك لو فتحت حنفية مياه المطبخ سينزل منها يسرا أو هشام سليم ليقولا لك: شارك ولا تبخل بصوتك..
دعنا نتفق أولا أنه شىء جيد بالفعل أن تكون الدولة حريصة كل هذا الحرص على مشاركة المواطن فى العملية الانتخابية والسياسية ككل، ولكن هل يجوز أن يتم ذلك قبل أن نسأل الدولة أين كانت طوال السنوات الماضية والمواطن يغرق فى بحر السلبية؟ بل أن نطلب منها أن تعترف أولا بأنها هى نفسها التى صنعت بحر السلبية الذى غرق فيه المواطن بسبب ممارساتها القمعية والقهرية وبطئها فى دفع عجلة الإصلاح السياسى..
عجيب أمر المسؤولين فى النظام الحاكم يطلبون منا نحن المواطنين وبإلحاح أن نذهب إلى صناديق الاقتراع ونشارك فى العملية الانتخابية، وكأن التقصير من جانبنا. يطلبون منا أن نذهب لكى نؤدى الأمانة وندلى بأصواتنا فى عملية انتخابية لم نضمن بعد نزاهتها وعودتنا أمور البلطجة والتزوير والصناديق المغلقة التى نضع بداخلها أصواتنا وهى تقول «لا» فتخرج منها لوسائل الإعلام الحكومية وهو تقول «نعم»، أن نشكك فى العملية السياسية والانتخابية دائما..
لماذا تدعونا الدولة للإدلاء بأصواتنا والمشاركة فى العملية الانتخابية وهى التى عودتنا دائما أن تتكفل بتقفيل الصناديق نيابة عنا؟ ألا يعلم السادة الذين قرروا دعوتنا للمشاركة عبر هذه الإعلانات الملحة والمكثفة أن هذه الحملة الإعلانية ستظل فاشلة وسيظل تأثيرها معدوما طالما لم تسبقها حملة أخرى تشرح ما سوف تقدمه الدولة من ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية وشفافية خطواتها؟.
ثم تعالوا هنا.. ألم ينظر السادة القائمون على تلك الحملة إلى قوائم المرشحين لمجلس الشورى مثلا، أو أولئك الذين يستعدون لترشيح أنفسهم فى انتخابات الشعب بعد أشهر من الآن لكى يخبروا أهل السلطة فى مصر بأن نوعية المعروض من المرشحين لا تشجع الشرفاء الذين يعتبرون صوتهم أمانة بجد على الذهاب إلى صناديق الاقتراع. اذهبوا وتابعوا هؤلاء وما يقال وما يكتب عنهم، وستجدوا أنفسكم أمام قوائم تحمل أسماء بلا طعم ولا رائحة. قوائم تخلو من شخصيات يمكنك أن تأتمنها على مستقبل البلد.
قوائم تضم تجارا ومتهمين فى قضايا رشوة واختلاس وسرقات أراض وبلطجة، فإلى أى صندوق نذهب لمنح أصواتنا لهؤلاء.. إلى صناديق الاقتراع أم إلى صناديق المهملات؟.. أعتقد أن غياب المواطنين عن لجان الاقتراع هو أبرز دليل على أنهم يذهبون إلى النوع الثانى من الصناديق..
أنا لا أدعو للمقاطعة أو غيرها من الأفكار المحبطة، أنا فقط أتحدث عن الواقع حتى لايصبح الأمر كأن فيه ديمقراطية وانتخابات، بينما الحقيقة أننا نعيش تمثيلية، أنا أتحدث عن ضرورة توفير الضمانات اللازمة لنزاهة العملية الانتخابية، حتى لو كان هذا الضامن هو حماية صناديق الاقتراع وأوقات الفرز بدمائنا وأجسادنا. أنا أتحدث عن توفير مناخ يسمح للشرفاء وأصحاب العقول بأن يكونوا هم المرشحين وليس أصحاب المال والنفوذ وشهادات فك الخط.. وحين تتوفر كل هذه الأشياء بالمزيد من الضغوط منا والمزيد من الإصلاح من جانب الحكومة، لن نحتاج إلى أى إعلان يشجعنا على المشاركة، لأننا سنملأ لجان الاقتراع حتى لو كان الطريق إليها لا سير فيه إلا زحفا على البطون..
كلمة أخيرة:
حينما قال الدكتور نظيف أن »السيستم« أو النظام لم يفرز بدائل للرئيس مبارك لم يكذب، وقد يكون أراد من هذا الاعتراف التوقيع على صك ولاء للرئيس ولكنه قطعا لم يخطئ، والدليل على ذلك الدكتور نظيف نفسه، فلو كان هذا النظام قادرا على إفراز بدائل وأشخاص تستحق المناصب الكبيرة لما لجأ إلى شخص مثل الدكتور نظيف، لم ينضج سياسيا بعد، للدرجة التى دفعته للإدلاء بتصريح تخيل هو أنه مجاملة للرئيس، بينما الحقيقة أنه يمثل أكبر إهانة وإدانة للرئيس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة