خلق الله الحياة والموت، وقدر للإنسان أن يعيش بينهما، وفى كل لحظة تولد الملايين وتموت ملايين أخرى، فلا الحياة تتوقف ولا الموت يعتذر، ولا الأوطان تغيب بموت البعض، ولا تولد بحياة آخرين.
ولكن بالتأكيد الأوطان تزدهر بميلاد البعض، وتنطفئ بعض أنوارها بموت البعض، ومصر بفقدان أسامة أنور عكاشة نقصت منها قطعة.
الكاتب الذى استطاع أن يصنع من الدراما التليفزيونية المصرية حالة خاصة متفردة، وحفر شخصياته لتصبح وكأنها تاريخنا، فمن منا لم يحيا جزءاً من حياته ويفتقد العمدة والباشا ونازك وعلى البدرى وحسن أرابيسك وفضة المعداوى وست إخواتها وزينب وبابا عبده والمئات من الشخصيات، التى حفرت فى وجدان كل المشاهدين العرب، هناك دراما تليفزيونية قبل أسامة أنور عكاشة وأخرى بعده.
كانت دائماً لمصر الريادة فى البث التليفزيونى مجرد تاريخ، لكن أسامة أنور عكاشة منح مصر الريادة الحقيقية حين كانت شوارع العواصم العربية تخلو من روادها وقت إذاعة مسلسلاته، فهو كان النجم الذى يلتف حول عقله المشاهدون.
لا أظن فى حديثى مبالغة، تلك المبالغة التى يتسم بها حديثنا دائماً، فمن غيبهم الموت، بل على العكس، فإن أسامة أنور عكاشة أكثر وأكبر كثيراً مما قدمت عنه.
لكن أزمتى فى غياب أسامة أنور عكاشة ليست أزمة عامة فحسب، لكنها خاصة جداً، فبغيابه فقدتُ من كنا نحتفل معاً وفى نفس اليوم مع اختلاف السنوات بعيد ميلادنا، بغياب الأستاذ فقدت جزءاً منى يشعرنى بأنى على حق فى لحظات الباطل، أو أنى على باطل حين تسكرنا كلمات الثناء.
كنت من هؤلاء الذين منحهم القدر حظاً لكى أسمع بعضاً من حكايات أسامة أنور عكاشة منه قبل أن يعرفها الجميع، وحين كان يحكى لى عن المصراوية، حلمه الأخير، قال لى إن العمدة اختفى من خياله وغاب، وعزَّ علىَّ غياب تلك الشخصية، وتصورت أنى أستطيع كمشاهدة أن أقنعه بأهمية هذه الشخصية واستمرارها، فقلت ما قلت فى أهميتها الدرامية وتأثيرها على الأحداث، ففكر قليلاً وقال الأمر ليس بيدى، فالشخصيات تولد وتموت فى عقلى قبل أن أضعها على الأوراق، والعمدة الفارسى قد رحل من عقلى، فكيف أعيده؟! وساد الصمت بعدها بيننا، فقد يكون فارس أسامة أنور عكاشة قد غاب عن عقله، لكن أسامة نفسه يصعب أن يغيب، لأنه حاضر فى عقلى وعقول ملايين المشاهدين بشريط تليفزيونى يحكى عن المصراوية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة