آسف جداً فى الوقت الذى تنشر فيه هذه الكلمات، تكون المظاهرة اكتملت وتصاعدت إلى ذرى الصراع الدرامى مظاهرة فى الأزهر تشارك فيها كل القوى الوطنية من أحزاب وتيارات ومعارضات وجماعات هتاف إلى أعلى درجة، وشعارات تحمل كل معانى الحزن والغضب، ودعوات لطرد السفير الإسرائيلى من القاهرة، مع ما تيسر من سب علنى للحكام العرب والقمم العربية، والاجتماعات، وشتم ضعفنا وهواننا، وشجب الشجب وإدانة الإدانة، ومطالبة بطرد السفير الإسرائيلى وقطع العلاقات، ونسف المنسوفات، ثم العودة للقواعد سالمين، كل فئات الشعب ممثلة فى المظاهرة التى عندما تصطدم بالأمن سوف تتعالى ثم تنخفض.
ومع كامل الأسف والأسى والرفض التام لكل الأشياء التى تحول دون الكفاح التام، فإن تلك المظاهرة التى انطلقت وانتهت من الأزهر هى مجرد "فوم" أو رغاوى مثل الكثير من الرغاوى التى تملأ حياتنا، مثل رغاوى الشحن المتبادل ودعاوى التحرك الإيجابى "المرة دى على الأقل".
مع كامل احترامى واهتمامى بهذه الفعالية الفعالة، فإنها سوف تنتهى كما بدأت، وكما يريد منظموها الذين يريد كل منهم أن يرحل للغداء أو لموعد، أو لارتباط لن يعلن عنه لكنه موجود.
اعتدنا هذا الأمر منذ عشرين عاما نتظاهر مع الفعل الإسرائيلى، نحن رد فعل للفعل الإسرائيلى. إسرائيل تضرب غزة، نتظاهر، تحاصر غزة نتظاهر، تقتل تحرق وتسرق. نفعل ما ننتظره من أنفسنا مجرد رد فعل.
قانون الفيزياء يقول إن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، هذا هو قانون الفيزياء، وهو قانون أكثر عدالة، لكن رد فعلنا لا يطابق الفيزياء بل هو أقرب لتفريغ الضغط وبدائل الانتحار. نصرخ ونتهم ونشتم أنفسنا وحكامنا وغيرنا ونحرق علم إسرائيل وأمريكا، ثم ننصرف، وإذا أخرتنا الظروف ولم ننصرف يأتى الأمن حيث يصرفنا بالعصى والعنف.
نغضب مع أننا نتمنى أن ننتهى من تفاصيل هذا العبء، لا أحد جاد فى فعل مساوٍ فى المقدار ومضاد فى الاتجاه، وأنا هنا لا أقصد أى نوع من التعريض أو السخرية من فعل أعتبره، أمرا شريفا، لكنه مجرد رد فعل. وأتوقع أن ترى بعض التعليقات أننى متخاذل أو مثبط، لكننى أريد أن أمنح الأمل، وأقول إن هذه المظاهرات هى أقصى ما نستطيعه، وإن المظاهرة فى حد ذاتها غاية لو أخلصنا لها النوايا بشرط ألا نسرف فى مطالبنا لتصبح مستحيلة.
لقد كان كل هؤلاء الذين خرجوا فى قافلة الحرية شجعان، مع أن أى منهم لم يحمل صاروخاً ولا مدفعاً، وهؤلاء الذين اغتالتهم أيدى العدوان الإسرائيلى كانوا أشجع من قاتليهم. لماذا نقلل من قيمة الكفاح المدنى وهو الذى حرر جنوب أفريقيا، مع العنف المؤمن، الذين ماتوا فى قافلة الحرية شهداء من أجل العدالة، والذين يتظاهرون تضامنا معهم أيضا شرفاء، لنخفف من اتهامنا لأنفسنا ولنركز على اتهامنا للقتلة والمجرمين حتى نأخذ بعض الأمل، إسرائيل كيان عنصرى ضد الطبيعة والواقع، كيان يخاف من المدنيين أكثر مما يخشى المسلحين.
ونحن بشر فلنتعاطف مع البشر ومع الحرية ضد عنصرية إسرائيل، حتى لو كان كل ما نملكه مظاهرة أو غضب لا نخجل منه، ولا كمن ضعفنا، فمن الضعف قاد غاندى ثورته، وحرر مانديلا أمته.