بدأ الكثيرون كتاباتهم بالترحم على شهداء الحرية، وآخرون وهم كثر بالدعاء على إسرائيل أو قرع طبول الحرب، وفى كلا الحالتين فهى كتابات تندرج تحت مسمى القرع!! فقد توقعت أن أقرأ عشرات التحليلات حول هذا الموضوع، إلا أن الواقع الصادم دفعنى للخوض فى الأزمة، ثم كانت بعض الآراء العنترية التى تبجل الموقف التركى وتجلد الموقف المصرى، وأستثنى منهم الأستاذ أكرم القصاص والأستاذ الله عبد كمال مع قليل من التحفظ وبدون إفساد للود.
دعونا ننظر أولا للتصريحات الإسرائيلية قبيل مذبحة الحرية، نجد أن ليبرمان قد صرح بنص الترجمة من العبرية "نحن لن نسمح بوصول أسطول الحرية، وإسرائيل سوف تتخذ كافة الإجراءات لمنعهم مهما كلفها الأمر، ومهما كانت النتائج" الغريب ليس فى تصريحات ليبرمان، ولكن فى أن هذه التصريحات قد صدرت ثم ترجمت ونشرت فى العديد من الصحف المصرية دون أن يلتفت لها قلم واحد أو يعلق عليها مسئول!! حتى إن القيادة السياسية اكتفت بالصمت التام تجاه تصريحات الصهاينة تماما، كما جاء رد فعلها ووزارة الخارجية صامتا ثم متأخرا عن سائر دول العالم بلا استثناء واحد!! ومن هنا يتأتى السؤال البديهى:
هل تتعامل القيادة باستخفاف مبالغ فيه مع الدائرة السياسية الصهيونية أم هل فقدت لياقتها السياسية، بحيث صارت غير قادرة على وضع الأمور فى ميزانها ونصابها الصحيح، وظنت خطأ أن ما صرح به ليبرمان هو مجرد طق حنك (كما يقول اللبنانيون) أم غضت الطرف عن التصريحات انتظارا للفعل - إن حدث – لتبدأ سلسلة ردود الأفعال المتعارف عليها من رفض وشجب وتنديد، ثم استدعاء سفيرهم وتوبيخه – إن حدث أيضا – وهذا ما يقودنا إلى مقالات جلد الذات - التى أشار لها الأستاذ أكرم القصاص فى مقال له – التى تبدأ بالبكاء والنحيب ثم الجلد المباشر للذات المصرية، وإضفاء صفات البطولة على من لا يستحق من جهة أخرى كما فعل، وأشاد الكثيرون بتركيا، حتى إن كاتبا ورئيس تحرير كبير انطلق فى برنامجه التلفزيونى يبدى سعادته الغامرة بعودة سطوة وسلطة آل عثمان (الأتراك)، بل أكد إنهم بديل الاتحاد السوفيتى فى عالم يعانى من أحادية القطبية متناسيا أطماع الأتراك التاريخية فى المنطقة ومتناسيا أو جاهلا بحقيقة الدور التركى وأبعاده أيضا بقدر يثير الشك والريبة.
عندما نقف على الدور المصرى يجب علينا أن نؤكد مرارا وتكرارا على حساسية الموقف السياسى المصرى نظرا لعلاقته مع الكيان الصهيونى وتلاحم الحدود والدور الأساسى والحيوى فى المباحثات الفلسطينية – الإسرائيلية.. إذا صح التعبير، فنجد أن السماح بمرور بعض المساعدات عبر الحدود أو السماح للقوافل الطبية بالعبور هو أقصى ما تم السماح به حتى الآن إضافة للشجب المعهود، بل وبدا أن مصر خائفة من الدخول فى بقعة الصراع السياسى على قيادة المنطقة، نظرا لقلقها من الغضب الأمريكى إن حدث واتخذت مصر قرارا أو موقفا يعيدها لبؤرة الحدث أو لعلها متوجسة من أن خلخلة الوضع السياسى الداخلى زائد عدم الرضا الأمريكى - فى حال اتخاذ موقف قيادى مصرى رائد - قد يؤدى إلى عدم استقرار الحكم الحالى، وهو الاحتمال الأرجح.
عندما نقف على حقيقة الدور التركى يجب علينا أولا أن نعى تماما أن اللعبة السياسية هى أخطر الألعاب القائمة على المصلحة وهى فن الممكن وهذا هو فعلته تركيا تحديدا، عند النظر إلى إليها خلال الفترة السابقة نجد أنها كانت فى حالة لهاث دائم للحاق بقطار الاتحاد الأوروبى مهما كان الثمن ومهما كانت التحديات والصعاب، إلا أن فرنسا الشقيقة الكبرى لدول الاتحاد كانت بمثابة حجر العثرة الأكبر فى سبيل تحقيق هذا الحلم، ونجحت فى بث روح الرعب داخل الاتحاد من دخول 80 مليون مسلم ليصبحوا جزءا من نسيج المجتمع الأوروبى، ومن هنا تحول الموقف التركى من دولة ساعية لاهثة حثيثة للانضمام إلى دولة تحاول التأكيد على أن لها دورا محوريا وفاعلا داخل الساحة العربية بقدر يجعل الاتحاد الأوروبى يفكر بجدية فى ضرورة ضم تركيا كيد فاعلة له داخل المنطقة، وهو ما تبدى بوضوع منذ بدأت الوساطة التركية فى المحادثات السورية الإسرائيلية غير المباشرة مرورا بتأكيد الدور التركى فى الأزمة الإيرانية 2009، ثم موقفهم الظاهرى من إسرائيل فى منتدى دافوس والاعتداء على غزة 2008، ثم إلغاء المناوارات الجوية مع إسرائيل فى أنقرة 2010، مما جعل العديد من الأصوات تهتف بتركيا قائدا جديدا للمنطقة، إلا أن المدقق يجد أن تركيا لم تقطع أو تهدد بقطع علاقتها مع إسرائيل لا من قريب أو بعيد، فالحزب الإسلامى الحاكم حريص كل الحرص على تقوية علاقته مع إيران والتتى تتقاطع مع العراق الموحد أو قل العراق / الأكراد (لا قدر الله)، ومحاولات استمالة بعض الدول العربية للصف التركى لسحب بساط بقيت لمصر أطرافه، وعليه نجد أن تركيا تحاول أن تكون بوابة أوروبا للمنطقة، وأن تصبح المنطقة تابعا لآل عثمان من جديد وسوقا واسعا فضفاضا، من ناحية أخرى يجب على المدقق أن يتابع رد الفعل التركى شديد اللهجة من ناحية و الملىء بوعود التطبيع من جهة أخرى!!!! وهو تناقض غير مفهوم، وإن عكس شيئا فإنما يعكس فهلوة سياسية تركية وبلاطة فكرية من البعض!! ثم تخرج علينا بعض الصحف التركية بأن هناك نية لدى تركيا لتوجيه ضربة عسكرية لإسرائيل !! وهل تأتى الضربات فى ظل علاقات ومناورات عسكرية مشتركة ووعود بالتطبيع !! أى تصريح ساذج هذا وأى بلاهة تلك بتصف بها أولئك الذين يصدقون!!
وأخيرا يأتى موقف نيكاراجوا بقطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل متزامنا مع دعوة سوريا لإيقاف المحادثات مع إسرائيل!!! مجرد دعوة؟؟ ثم يعودون بإلقاء التبعات على مصر!!! أى بلاهة سياسية تلك؟
من جهة أخرى لا نستطيع إعفاء مصر من مسؤلية الرد المتأخر أو من عدم اتخاذ إجراء على قدر الحدث مثل:
سحب السفير المصرى فى تل أبيب كخطوة أولى والتلويح بقطع الغاز الطبيعى، وتجميد العلاقات الاقتصادية بشتى أنواعها، وصولا إلى طرد السفير الإسرائيلى كخطوة فى طريق الردع السياسى قد تجر العديد من الإجراءات شديدة الخطورة التى يجب حسابها بمنتهى الدقة، وأنا أعلم وأقر أن القيادة السياسية الحالية أعلم وأقدر الناس على حسابها مهما كان الاختلاف فى الرأى.
وأخيرا دعونى أسأل فى ما قد يبدو أنه لا علاقة له بالموضوع
هل يستطيع بلد يعيش حوالى 93% من سكانه تحت خط الفقر، ويعانى 30% من مواطنيه من كل أنواع الأمراض الاجتماعية أن يتخذ قرارا بشأن عدو تاريخى أو حتى أن يقود أمة قوامها يزيد عن 300 مليون مواطن عربى أو ما يزيد عن مليار مسلم!!!!؟؟؟؟؟؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة