وليد طوغان

ثم يتهموننا فى الدين

السبت، 05 يونيو 2010 08:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من السنة غير المؤكدة ما يفسد الدين بالزمن، ومع التمسك بأصول لم تكن أصولا من الأساس، لن تنفصل العقيدة عن الدنيا فقط، إنما سينفصل الدين عن المنطق.

ماذا يعنى هذا؟.. يعنى أن رجال الدين وقتها سيكونون فى جانب.. بينما نحن فى جانب آخر. فيما لن يكون هناك بين الدنيا والدين أى جسور تربط، ولا مساحات مشتركة، ولا فرصة للالتقاء.

فتوى إرضاع الكبير التى أعاد الشيخ عبد المحسن العبيكان إخراجها من تحت الأرض مثال.. العبيكان أعاد التأكيد على جواز إرضاع المرأة للرجل البالغ العاقل الأجنبى إذا كان هناك ما يدعو لهذا من خلوة فى العمل مثلا، والهدف كف حرمة الاختلاط.. بلا محرم!!

الأصل فى فتوى العبيكان "تحريم العرض" بالرضاعة، فمن الحرمات مؤبدا الخالة والعمة "وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم".. بالنص القرآنى.

المعتمدون على جواز إرضاع الكبير كفا لحرمة الاختلاط دون محرم، يقيسون حديثا نبويا شُهِر عن النبى، وروته السيدة عائشة، لكن الفتوى تتعارض فى الوقت نفسه مع الأمر القرآنى بحفظ الفروج والعورات "إلا على أزواجهن" ما يعنى أن الإفتاء بإرضاع الكبير.. درءا لحرمة الاختلاط.. حرام بالنص.

وإذا كانت الفتوى قياسا على حديث، فالمنع مؤسس على نص قرآنى، أعلى منه فى المرتبة وأقوى منه فى التشريع.

الأزمة إذًا ليست فى إجازة المشايخ كشف المرأة ثدييها للغريب، ثم وضعه على فمه، ابتغاء مرضاة الله.. الأزمة فيما تسرب للدين من بوابة السنة، فأدخل عقيدة المسلم فى صراع دائم مع المنقول عن النبى (ص) والصحابة والتابعين.

مبلغ العلم أنه لن تقبل المسلمات على فعل محرم.. كفا للحرام.. وحسب الذوق السليم، لن يستقر العرف فى مجتمع مدنى على شاذ تفتقد فكرته اللياقة وحسن الأدب.

والكارثة ليست فى إجازة رجال الدين إطلاع المسلمة الأجنبى على عورتها، لكن القضية الحقيقية فى رفضهم إعادة فحص الكثير مما نسب إلى النبى (ص)، وما ثبت فى كتب الحديث منسوبا إليه (ص) بدعوى استحالة كذب الذين رووا عنه فى زمنه، ولا فى الأزمان التى لحقت زمنه.

والخطير هو إصرار أهل الفقه على وضع كل المنقول عنه (ص) فى المرتبة الثانية للتشريع الإسلامى.. بعد كتاب الله!!

الاعتماد على السنة بهذا الشكل، والتشبث بها بلا نقض .. أو نقد، كان السبب فى دعوات بعض الدارسين المحدثين إلى تجنيب السنة فى التشريع، مع الاحتكام فقط لكتاب الله.

اعتراضات هؤلاء كانت وجيهة، ففى المنسوب إلى الرسول (ص) كثير مما يجافى المنطق، ويخالف أحكام كتاب الله، ليس تشكيكا فى أقوال النبى، إنما حذرا مما نقل عنه دون يقين، وخوفا مما التصق بسيرته على خلاف المعقول.. وحديث إرضاع الكبير مثال.

لدى الشيخ العبيكان صاحب المقام الدينى الكبير فى الجزيرة العربية، كما لدى معظم المشايخ، الحديث صحيح، أخرجه الامام البخارى فى كتابه عن سالم مولى حذيفة وعن أم سلمة عن السيدة عائشة (رض).

كتاب البخارى، رغم ضعف الكثير من رجال أسانيده، ومخالفة عدد من متونه المنطق لا يزال هو الأصح بعد كتاب الله عند العبيكان، كما لدى الذين يدرسون ويدرسون كتب علوم الحديث بالجامعات الإسلامية، مع أنه لا أصل ثابت إلا كتاب الله.

القرآن أصل ثابت، لكن السنة ليست كذلك، ومع كل أزمة بين العقل والنقل تعود التساؤلات حول أسباب عدم الاستجابة للمطالبات بإعادة إخضاع ما قيل إنه نسب للنبى للفحص من جديد.

ربما يدعو التشبث بـ"إرضاع الكبير" للتندر، لكن الاعتقاد فى صحة كل ما نسب للنبى (ص)، هى دعوة لدخول "الخزعبلات" من بوابة الدين، لتتحول بعد فترة معلوما منه بالضرورة.. وفى النهاية يتهموننا فى الدين، مع أننا نسعى لصلاحه..!

* مساعد رئيس تحرير جريدة روز اليوسف.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة