تناولت أمس فى مقالى سؤالاً: "هل أحبط البرادعى مؤيديه؟"، وتوقفت عند زيارة الرجل إلى الفيوم، وقلت إن مداخل الإحباطات المتوقعة تأتى من هذه الزيارة، والإجابة على كيف تبدأ من حديث الاستقالات، التى صدرت إلى الرأى العام المؤيد لأهداف الجمعية، أن الجمعية فى طريقها إلى الضعف بسبب استقالات عدد من قيادتها وإحباط آخرين، ولأن هذه القيادات لها أوزان سياسية ومعنوية ليس لدى المطالبين بالتغيير فحسب، وإنما إلى المصريين عموماً، فإن الاستقالات والانسحابات والإحباطات تأتى بأثر سلبى قاتل، ولنا عبرة فى عموم التجربة الحزبية وحركات الاحتجاجات الأخرى، فكلاهما شهد نزيفاً من الخسائر تمثل فى انسحاب العشرات من الشخصيات السياسية المحترمة من الأحزاب، مما فرغها من كوادر هامة حركية وسياسية، وكانت تلك الاستقالات سبباً لضعف الأحزاب، بالإضافة إلى أسباب أخرى، خاصة بالمناخ السياسى العام، خاصة بتركيبة الأحزاب نفسها، والتى ظلت لسنوات تسد الطريق أمام بروز قيادات واعدة منها، ومن هذا القياس يمكن القول أن أول الإحباطات من حالة البرادعى جاءت من بدء الاستقالات، واحتمالات التوسع فيها من آخرين، وقد يرد البعض على ذلك بنفس رد جورج إسحاق: "أى حد عايز يمشى هو حر"، وقد يقولون أيضاً إن الرجل نزل إلى الفيوم بدون قيادات الجمعية، وبالتالى فإن المستقيلين والمحبطين والمنسحبين هم الخاسرون، لكن هذه القراءة تحتوى على تعسف فى القراءة، ونوع من التقييم الذى يقوم على الإقصاء فى وقت لا تحتاج الجمعية لإقصاء أحد، كما أن أول المضارين منه هو البرادعى نفسه.
فى قراءة ثانية لزيارة البرادعى إلى الفيوم، والتى قد يتولد منها الإحباط الثانى، يأتى الكلام عن علاقة البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير بجماعة الإخوان المسلمين، ففى الأسابيع الأخيرة تبادل الطرفان أحاديث إيجابية وهذا حق لهما، وانتهت إلى حضور واسع للإخوان فى زيارة الفيوم، وذلك فى غياب قيادات الجمعية، ويحمل هذا دلالات سياسية لابد من التوقف أمامها، لأنها تصب فى مسار سؤالنا: "هل أحبط البرادعى مؤيديه؟.
والرصد يبدأ منذ عودة البرادعى إلى مصر، وتكوين الجمعية الوطنية للتغيير والذى قام بصيغة تحالفية بين مجمل التيارات السياسية فى مصر والشخصيات المستقلة، وبدا للكل أنه لا سيادة لتيار سياسى معين فى الجمعية، وتأكد ذلك فى تمثيل جماعة الإخوان فيها، مما نتج عنه تصدير الجمعية إلى الرأى العام على أنها وعاء وطنى شامل يضم كل الأطياف السياسية للمجتمع، لكن السؤال الآن: "هل تدخل الجمعية الآن مرحلة هيمنة الإخوان عليها؟"، وبمعنى ثانى: "هل توصل البرادعى إلى يقين أن الجماعة هى التى يمكن أن تكون أداته فى مطالبه بالتغيير؟"، وبمعنى ثالث: "هل توصل الإخوان إلى أن يكون البرادعى هو وجاهتهم للتغيير؟
قبل الإسراع فى الإجابة على الأسئلة السابقة بالنفى، فلنعد إلى زيارة الفيوم ومنها سنجد شواهد، أولها الحضور الواسع من أعضاء جماعة الإخوان بالفيوم للزيارة، كما أحاط بالزيارة مشكلة تمثلت فى تقديم عدد من أعضاء الجمعية لاستقالتهم، وقاطعوا الزيارة اعتراضاً على أنهم لم يقوموا بوضع برنامج الزيارة، وإنما تم وضعها من أعضاء الحملة الشعبية المستقلة لدعم وترشيح البرادعى رئيساً للجمهورية، وأمام هذا الخلاف اضطر البرادعى إلى اللجوء للنائب الإخوانى مصطفى عوض لتنظيم المؤتمر، ومع الوضع فى الاعتبار أن الخلاف يحمل إشارات غياب التنظيم والتنسيق بين "جناحى البرادعى"، فإن اللجوء إلى النائب الإخوانى يصب فى مجال أوسع يعبر عنه النائب البرلمانى سعد الكتاتنى عضو مكتب إرشاد الجماعة، بقوله إن هناك اتجاهاً داخل الجماعة بالمشاركة فى جمع التوقيعات على وثيقة الإصلاح التى أعلنت عنها جمعية التغيير"، وجاء ذلك فى سياق الأخبار التى تسربت فى الأيام الماضية عن أن الإخوان سيكثفون جهدهم لدعم مساعى البرادعى، رداً على التجاوزات التى تعرض لها مرشحو الجماعة فى انتخابات الشورى، ولم يكذب البرادعى ولا الإخوان خبراً، ففى يوم السبت الماضى عقد الرجل وسعد الكتاتنى اجتماعاً أظنه ينهى الفكرة الجوهرية التى قامت عليها "الجمعية الوطنية للتغيير"، فالإخوان إن دخلوا تحالفاً ركبوه وقادوه بمبدأ أنهم الأقوى والأكثر فاعلية، وهذا حقهم فى النظرة لأنفسهم، لكن يبقى أن المشهد كله ينتهى على أن البرادعى والإخوان فى مركب واحد.
وأخيراً أعلم أن هذا الاجتهاد سيغضب البعض، ولذلك أفتح باب النقاش حوله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة