خالد صلاح

فرق هائل بين الموافقة على تمثيل الإخوان فى حزب شرعى، وبين مهادنة الإخوان، سعيا إلى تأييد أنصارهم فى الشارع، دون كلمة واحدة عن خطورة شعاراتهم الدينية على مصر وعلى الديمقراطية بأسرها

كيف يزور الدكتور البرادعى جماعة الإخوان ولا يفكر فى زيارة «الوفد»؟

الأربعاء، 09 يونيو 2010 12:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يمكن الزعم بأن زيارة الدكتور محمد البرادعى إلى مقر الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين تمثل تحولا كاملا فى المنهج الذى توقعناه من الرجل عقب عودته من الخارج؟
الزيارة هنا تتجاوز كليا التعاطف مع تيار سياسى يحق له التعبير عن نفسه بالوسائل الشرعية، وتقفز مباشرة إلى مشهد يماثل (إعلان البيعة) للجماعة فى المنشط والمكره، وفى السر والعلن.. المدهش أن الدكتور البرادعى لم يقدِم على زيارة أى حزب سياسى فى مصر، ولم يتحرك لتبادل الآراء حتى فى منطقة محايدة مع أىٍّ من قيادات المعارضة الشرعية، وفضل دائما أن يسعى الناس إليه فى مزرعة جرانة، وأن تنعقد اللقاءات فى حديقة منزله.

ها هو الرجل نفسه يتحرك للمرة الأولى لزيارة جماعة الإخوان المسلمين دون غيرها من التيارات السياسية! وها هو الرجل نفسه يقرر أن تكون زيارته الأولى خارج المزرعة إلى مقر الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين!

أكرر هنا مرة أخرى سؤالى: هل يمكن الزعم بأن زيارة الدكتور محمد البرادعى إلى الإخوان تمثل تحولا كاملا فى المنهج الذى توقعناه من الرجل عقب عودته من الخارج؟

أعرف يقينا أن كثيرا من كبار أنصار الدكتور البرادعى توجهوا إليه بالنصيحة لكى يبدأ زيارات منظمة للأحزاب السياسية المعارضة، لكنه عاند هذا التوجه طوال الوقت، ثم فاجأنا بزيارة مقر كتلة الإخوان، وكان أكبر مستقبليه هو الدكتور سعد الكتاتنى، وفاجأنا أيضا بأن الإخوان هم من نظموا له جولته الأخيرة فى محافظة الفيوم، دون تدخل من الكوادر الأساسية فى «جمعية التغيير» التى قاطعت الزيارة غضبا من هذا التوجه.

المدهش كذلك أن تجربة رائدة فى الديمقراطية الحزبية كتلك التى قدمها حزب الوفد لم تشغل نفس الحيز من الاهتمام لدى الدكتور البرادعى. فالانتخابات الأخيرة التى حملت الدكتور السيد البدوى إلى رئاسة الوفد عبرت عن يقظة هائلة داخل الحزب، وأعادت الثقة لدى التيار المدنى الديمقراطى فى إمكانية تنشيط العمل السياسى الحزبى نحو المزيد من الإصلاح فى مصر، ورغم أن الوفد هو بيت الديمقراطية والمدنية والليبرالية الأول والأعرق فى مصر، فإن الدكتور البرادعى قرر أن تكون لجماعة الإخوان الأفضلية فى زياراته، وبدلا من أن يتوجه لحليف مدنى رئيسى هو حزب الوفد، وقيادة ديمقراطية واعدة هو الدكتور السيد البدوى كانت كتلة الإخوان هى الاختيار الأول!!

ما الذى نفهمه هنا؟ وما الرسالة التى يوجهها الدكتور البرادعى لأنصار الديمقراطية والإصلاح فى البلد.. وفى العالم؟

يبدو الأمر هنا كأننا أمام مشهد تحالفات سياسية تضع المبادئ والأفكار الليبرالية جانبا، وتفضل أن تمتطى الموجة الأقوى من اللعب على المشاعر الدينية.. فهل يريد البرادعى أن يرسخ الفكر الديمقراطى الحر والإصلاح السياسى المدنى فى البلاد، أم يريد البرادعى أن يركب موجة الإخوان، سعيا إلى منصب الرئاسة حتى لو كان على متن شعار (الإسلام هو الحل)؟

كثير من الإصلاحيين فى مصر تعاملوا فى البداية مع مغازلة البرادعى للإخوان باعتبارها جزءا من تأكيده على مبدأ إتاحة الساحة لكل الآراء والأفكار، وتقديرى الشخصى لم يكن معارضا لهذا التوجه، لأننى أؤمن بحق كل التيارات فى أن تعبر عن نفسها طالما التزم ذلك بمبادئ الدولة المدنية التى نسعى إليها، أما أن يتحول الأمر إلى بيعة للجماعة وتفضيلها على ما دونها من القوى السياسية، فيؤسفنى أن الأمر يتحول إلى خيانة لمبادئ الحرية، ونفاق للجماهير بالشعارات الدينية.. وهو ما لم نتوقعه من الدكتور البرادعى، وما لا نرضاه من الأساس لأى عملية تغيير ديمقراطى فى مصر.

فرق هائل بين الموافقة على تمثيل الإخوان فى حزب شرعى، وبين مهادنة الإخوان، سعيا إلى تأييد أنصارهم فى الشارع، دون كلمة واحدة عن خطورة شعاراتهم الدينية على مصر وعلى الديمقراطية بأسرها. فرق هائل بين إيمان كل الإصلاحيين بأهمية مشاركة الإخوان فى العمل السياسى، وبين الصمت على خطاب دينى قد يقودنا إلى فتنة تخلط بين الدين والسياسة، وبين المسلم والمسيحى، وبين المقدس والوضعى فى السياسة العامة.

من حق الإخوان العمل السياسى.. نعم، ومن حق البرادعى أن يبايع من يشاء.. نعم..
لكن من حقنا أيضا أن نميّز بين ما يدعم سعينا نحو الديمقراطية حقا، وبين ما يهدم كل ما تعب الإصلاحيون من أجله لسنوات طويلة.. ومن حقنا أيضا أن نضع خطوطا فاصلة بين تحركات تخدم المبادئ والأفكار الليبرالية، وبين تحركات أخرى لا يمكن أن نفهمها إلا باعتبارها تربيطات سياسية تعلو على جثة المبادئ والأفكار.

لو كنت مكان الدكتور محمد البرادعى لتوجهت لمبايعة حزب مدنى حقيقى هو حزب الوفد، وناصرت تحركا مميزا بعد ما جرى فى انتخابات الحزب.. ولما كنت أقدمت أبدا على أن يكون الاختيار الأول هو ركوب موجة الدين، ومبايعة شعار (الإسلام هو الحل).










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة