الخلاف بين المحامين والنيابة تطور فى غياب المنطق، ليتحول إلى صراع وما يشبه الحرب، وانتقل من خلاف بين محامين وأعضاء فى النيابة إلى خلاف اتسع ليصبح بين المحامين والنيابة والقضاء، وانتصرت القبلية على العدالة، واختفى العقل ليحل مكانه الصراخ، أصبح الانتقام مقدما على الحق، والخاسر فى هذا الصراع هو القانون أولا، وآلاف المتقاضين الذين تعرضت مصالحهم وقضاياهم للخطر.
وبالرغم من أن الخلاف بدا قابلا للحل، فى إطار القانون، والتعاطف مع المحامين ضد حكم ابتدائى بدا قاسيا، لكن كان من الممكن للمحكمة الاستئناف أن تحل الأمر بالقانون أيضا. لكن فريقا من المحامين تسبب فى فقدان هذا التعاطف، بعد أن اقتحم بعضهم مكتب المحامى العام فى المحلة الكبرى بشكل تجاوز مساندة زملائهم إلى محاولة فرض الرأى بالقوة.
كما أن المواقف المتناقضة والتدخلات العشوائية والمصلحية أفسدت شكل وحدة المحامين. ولم يسع أى طرف داخل المحامين للبحث عن طريقة للحوار، رأينا فرقا تزايد على بعضها، وحتى أمام المحكمة التى يحاكم أمامها المحاميين سبب الخلاف، كانت مواقف الدفاع متناقضة، فريق يتحدث عن اعتذارات، وآخر يرفضها وثالث يتحدث عن مبادرات. والنتيجة تشتت افقد الدفاع هيبته، وأضاع الهدف الرئيسى.
كان البدء بالإضراب كان استخداما لسلاح فى غير محله، وأضاع على المحامين فرصة التدرج فى الحوار، وبدا أن الهدف ليس هو صالح المحامين وإنما استعراض القوة. كل هذا فى غيبة تيار قوى يسحب المحامين إلى أرضية التفاوض والحوار، وليس الصدام والتفكك.
وأبرز مثال على الفوضى فى إدارة الأزمة، أن تهديدات وصلت إلى المحامى العام للمحلة الكبرى بخطف ابنه وتهديد أسرته، وهو أمر لو ثبتت صحته يمثل نقلا للخلاف إلى الفوضى.
وبالرغم من تدخل أطراف عديدة من رئيس مجلس الشعب إلى أطراف حزبية وسياسية، كانت التدخلات دليلا على أن أحدا لا يريد الاحتكام للقانون، كما تجرى العادة طوال سنوات، حيث تحل التدخلات والمساعى الفردية محل القانون الذى يبدو آخر ما يمكن اللجوء إليه، وهو دليل آخر على العشوائية وغياب العقل والمنطق. وحتى المحامين لا يريدون الاستماع لبعضهم، وبسبب التنافس الانتخابى والسياسى، تحول المحامون إلى فرق، لكل منها أهدافها، فى غياب للشخص القادر على جمع المحامين.
الأزمة فى مجملها تعبير عن أزمة تتسع فى المجتمع كله، يغيب فيها الحوار، أمام الصوت العالى، مرض تسبب فيه ميكروب الانسداد السياسى، وانتقل إلى كل الأطراف، وتبادل الطرفان القضاة والمحامون التصريحات التى أحالت الخلاف إلى حريق، لا أحد يريد إطفاءه.. ومع إنه خلاف بين طرفى القانون، فقد كان الغائب الوحيد هو القانون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة