من بين كل التعليقات التى جاءت على مقالى: "المتراجعون عن الفتنة بين مصر والجزائر" توقفت كثيرا أمام تعليق للقارئ طارق بن زياد، ولا أعرف إن كان هذا اسما حقيقيا أم مستعارا؟، قال طارق بن زياد: "إذا كنت تقصد بالتضحيات المتبادلة، تضحيات بشرية، فبالله عليك اذكر اسم مصرى واحد سقط شهيدا فى ثورة التحرير الجزائرية، وإن لم يكن هنالك، فكفاكم مزايدة على التاريخ".
توقفت طويلا أمام هذا التعليق، وسألت نفسى، هل أرد عليه أم أتركه لحال سبيله؟، ولأننى وجدت فيه ما يستفز، خاصة أنه ينم عن عدم معرفة بالتاريخ، قررت الرد عليه من خلال قصة ذكرتها فى مقال سابق لى تناول بالضبط هذه القضية، وليعذرنى القارئ إن رأى أننى أكرر عليه كلاما سابقا، لكنها الضرورة التى فرضها القارئ طارق بن زياد، كما أفعل ذلك على نهج أستاذنا الكاتب الكبير الراحل كامل زهيرى الذى كان لا يمل من تكرار حوادث التاريخ الصحيحة فى مقالاته لعلها تصيب قارئا، فيعرف الحق من الزيف.
وهذا جانب من مقالى الذى علق عليه قارئ جزائرى بقوله:"كان فين هذا الكلام من زمان":
فلنذهب إلى التاريخ الملىء بحكايات العون والمساعدة بين البلدين فى أوقات الشدة والغائب عن الأجيال التى لم تعاصره، ربما يعرفون أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ومن هذه الحكايات ما رواه لى ضابط المخابرات المصرى الراحل العظيم، فتحى الديب، فى حوارات أجريتها معه، وكان الديب حلقة الوصل بين جمال عبد الناصر وثوار الجزائر الذين أطلقوا شرارة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى الذى احتل الجزائر 130 عاما، وهو الذى قدم بن بيلا ورفاقه من قيادات الثورة إلى عبد الناصر، وفى زياراتى المتعددة إلى الديب فى شقته بمصر الجديدة علمت أن الشقة المواجهة له هى شقة بن بيلا.
قال الديب إن المساعدات المصرية تنوعت للثورة الجزائرية ما بين السلاح والمال، والرجال، ولعبت المخابرات المصرية أعظم أدوارها فى تهيئة كل السبل لانطلاق الثورة.
لم يكن السلاح وحده هو العون والمدد الذى قدمته مصر، بل قدمت شهداء ربما لا تحوى كتب التاريخ عنهم شيئا، ومن القصص التى رواها لى الديب بتأثر بالغ قصة الصحفى إلهامى بدر الدين الذى استشهد على أرض الجزائر وعمره 23 عاما فقط، وعن هذا الشهيد قال الديب:
دخل إلهامى الصحافة من أبوابها العنيفة، هكذا كان وصف الديب، كان فى بداية عمله، مقداما فى اندفاعه، لا يخاف الموت ويحدوه الأمل فى أن يكون صحفيا كبيرا من خلال معايشته للثورة الجزائرية، فطلب منى التوجه إلى الجزائر، وأعطيته الإذن وقدمت له كل التسهيلات، ونزل فى منطقو وهران وظل فيها ثلاثة أشهر، وطلب بعدها الدخول إلى منطقة القبائل وكان يقودها كريم بلقاس، وبعد 15 يوما من وجود إلهامى فى هذه المنطقة، التى كانت شديدة الحساسية، وفيها قتال ضار مع الفرنسيين، استشهد مع مئات من الجزائريين.
أضاف الديب فى تأثر، حين تلقيت خبر استشهاده أبلغت الرئيس جمال عبد الناصر، فأوصانى بالبحث عن طريقة لإبلاغ أهله ونقل جثمانه إلى القاهرة، وحاولنا مع قيادات الثورة لكن تعذر ذلك، فاعتبرنا أنه استشهد فى أرض الله الواسعة بجانب أشقائه من الجزائريين، وتذكر الديب أنه حين تم إبلاغ أهله بالخبر تلقوه باحترام وألم معا قائلين: "نشهد أن لا إله إلا الله ونحتسبه شهيدا عند الله".
تلك هى قصة شاب مصرى استشهد مع مليون شهيد جزائرى هم عند ربهم مع الصديقين والنبيين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة