حمدى الحسينى

من واشنطن.. السفر عكس اتجاه الزمن

الإثنين، 12 يوليو 2010 07:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الرحلة من القاهرة إلى نيويورك طويلة ومملة لأنها ربما تكون الأطول فى رحلات الطيران العالمية حيث تستغرق حوالى 13 ساعة طيران متواصلة، من جانبها تجتهد شركات الطيران فى ابتكار العديد من الوسائل لكسر طول وملل مثل هذه الرحلات من خلال توفير إذاعة داخلية متنوعة تقدم كافة أنواع الأغانى والبرامج، لترضى كافة الأذواق بدءًا من أغانى التراث وانتهاء بالأغانى الشبابية والأجنبية، مرورا بالقرآن الكريم.

كما تعرض على الشاشات الداخلية العديد من الأفلام والبرامج الكوميدية.. لكن كل ذلك لا يلغى رهبة الطائرة عند الكثير من المسافرين خاصة هؤلاء الذين يعانون من "فوبيا" السفر بالطائرات أصلا..

بالصدفة لاحظت ازدحاما فى الطائرة على غير العادة، خاصة أنها من نوع "آيرباص الضخمة"، وتساءلت عن السبب فى ذلك، فكانت الإجابة أنها لأول مرة ليس بها ولا مقعد خالى حتى المقاعد الاحتياطية والطوارئ بسبب ما حدث لطائرة الأمس التى أضرت إلى الهبوط الاضطرارى والعودة لمطار القاهرة مرة أخرى بعد نصف ساعة من إقلاعها، حيث اكتشف طاقمها أن هناك عطلا يلزمهم العودة لإصلاحه ثم معاودة الإقلاع مرة أخرى..

نصف الركاب تشاءموا من الرحلة وفضلوا تأجيل سفرهم لليوم التالى.. فكانت الرحلة مضغوطة بطريقة غير عادية.. قبل السفر بساعات، وبينما أقلب فى قنوات التليفزيون فإذا ببرنامج وثائقى حول أخطر حوادث الطيران فى العالم، شدنى البرنامج الذى كان يعرض مشاهد حية للحظات تحطم طائرة ركاب أمريكية فى شرق البوسنة عام 1969، ولقى كل من كانوا على متنها مصرعهم، وكان "رون براون" وزير التجارة فى إدارة كلينتون أرز الضحايا..

جلست فى مقعدى وربطت أحزمة الأمان استجابة لنداء المضيفة، وبدأت الطائرة فى التحرك ببطء، لكن وبطريقة لا إرادية استحضر عقلى الباطن كل مشاهد الرعب والخوف التى سبقت سقوط طائرة الوزير الأمريكى.. تصادف موقع مقعدى بين فتاتين الأولى مصرية حامل على وشك الوضع تشبه البالون المنتفخ القابل للانفجار فى أى لحظة، والأخرى باحثة أمريكية شابة كانت تقضى إجازتها السنوية مع صديقتها بالقاهرة.. وجدت من غير اللائق أن أطلب من إحداهن تبديل موقعى بحيث أكون أنا فى أحد أطراف المقعد.. اكتفيت بتبادل التحية مع جارتى اللتين سترافقانى طوال الرحلة.. الأولى متاعب ما قبل الوضع تفرض عليها صعوبة فى التنفس والحركة، والثانية يبدو عليها احتراف السفر، حيث استحوذت على الملايات والمخدات.. مازالت آثار نبأ عودة طائرة الأمس ماثلا فى أذهان أغلب الركاب، مما دفع الجميع للتوجس والقلق حتى لو أظهروا غير ذلك.

على كل حال أنا بطبعى لا أنام أبدا فى رحلات الطيران مهما كان طولها.. فقد تذكرت أطول رحلة طيران من القاهرة إلى جنوب إفريقيا عام 2004 لقد استغرقت تلك الرحلة عشر ساعات طيران متواصلة.. كنت تقريبا المستيقظ الوحيد فى الطائرة التى أقلعت فى الثانية عشر بعد منتصف الليل.. يومها شاهدت أفلاما عربية وأجنبية، وسمعت أغانٍ وقرأت صحفا وكتبا كانت معى لكن كل هذا لم يدفعنى إلى النوم أو حتى الانشغال عن التفكير فى سرعة الطائرة التى تزيد على ألف كيلومتر فى الساعة، وعن ارتفاعها عن سطح الأرض بحوالى الذى يصل إلى 3 آلاف قدم..

تقريبا طائرة نيويورك تسير بنفس السرعة ربما ما يميز هذه الرحلة أنها أكثر صعوبة عن الأولى، لأنى كنت محشوراً بين فتاتين لدى كل منهن ما يشغلها.. مرت ساعتان من الرحلة قضتها الأمريكية فى الانهماك بقراءة رواية ضخمة قبل أن تستعد للنوم، بينما جارتى الحامل كانت تقلقنى بسبب نفسها المكروش وإحساسى الدائم بأنها سوف تقذف ما فى بطنها فى أى لحظة..

لا أشعر بأى متعة فى مشاهدة الأفلام فى الطائرة ربما لإحساسى بأن عرض هذه الأفلام الهدف منه إلهاء الركاب مثلما نفعل مع الأطفال عندما نشترى لهم لعبة لنشغلهم بها.. بعد حوالى خمس ساعات من الطيران بدأ الركاب يتأقلمون على الرحلة ودخل أغلبهم فى ثبات عميق، وأظلمت الطائرة وتركت الأمريكية الرواية واختبأت فى الملاءة وكأنها إحدى نساء الأفغان فى عهد طالبان.. أما الحامل فكانت تتجه إلى دورة المياه كل نصف ساعة ثم تعود بعدها صامته وتغمض عينيها كأن شيئا لم يكن.. شاشة الطائرة الداخلية تكشف لنا خط سير الطائرة، حيث يبدو أننا نمر فوق الأجواء الفرنسية، استعدادا لمغادرة اليابس وفى اتجاهنا لعبور الأطلنطى..

واضح من الشاشة أن عبور المحيط يستغرق باقى الرحلة حوالى 8 ساعات.. الوقت بطىء جدا كأن عقارب الساعة لا تتحرك.. نعم نحن نسير عكس الزمن بمعنى أننا غادرنا القاهرة فى التاسعة صباحا ومقرر أن نصل عصر اليوم نفسه.. لأن توقيت القاهرة يسبق توقيت نيويورك بحوالى عشر ساعات.. لا أعرف لماذا تذكرت فيلم "تايتنك" الذى يحكى قصة غرق السفينة الأسطورة التى كانت رمزا لتحدى الإنسان للطبيعة.. حاولت أشغل نفسى عن "تايتنك" بالبحث فى مؤشر الإذاعة الداخلية.. وتوقفت عند أغنية "أوقاتى بتحلو.." للشيخ سيد مكاوى.. إلى أن جاء صوت المضيفة يبشرنا بقرب وصولنا إلى الشواطئ الأمريكية.. تركت سيد مكاوى وبدأت التفكير فى أحداث وتفاصيل ما بعد الوصول..

• رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف.؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة