أنت طبعًا لا تحتاج إلى مقدمات تبرر لك لماذا يجب على كل صحفى زيارة أهم غرف الأخبار فى الصحافة العالمية، فأنت تندهش يا أخى من حجم التطور الذى تشهده صناعة الصحافة فى العالم يومًا بعد يوم، ولن يتوقف إعجابك حين تكتشف كيف يمكن أن تنتفع صحافتنا المصرية عبر المزيد من التواصل والاندماج مع المؤسسات الصحفية والعالمية، ولأن «اليوم السابع» تعتبر نفسها واحدة من الصحف التى تتحمل مساحة من المسؤولية فى عمليات التحديث التكنولوجى والتطور المهنى، جنبًا إلى جنب مع زميلاتها الأكبر والأعرق فى الصحافة المصرية، فإننا بادرنا إلى فتح آفاق جديدة من التعاون مع الصحافة ووكالات الأنباء الدولية أملًا فى عدم تفويت الفرصة على أى تكنولوجيا حديثة فى المجال الإعلامى إلا ونقلناها فورًا إلى القاهرة، أو أى قيم مهنية مبتكرة إلا وعملنا على أن نستقى منها ما تنتفع به صحافتنا وبلادنا فى كل وقت، وبهذه النوايا كانت زيارتى لاثنتين من أكبر الوكالات الصحفية العالمية وهما وكالة الأنباء الفرنسية ووكالة الأسوشيتد برس الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع زيارة واحدة من أهم وأعرق وأرقى الصحف العالمية وهى صحيفة لوموند الأكثر انتشارًا وتأثيرًا فى السياسة الفرنسية والدولية.
فى باريس لا شىء يتحرك بلا قيمة ثقافية وفنية فى نهاية المدى، وفى وكالة الأنباء الفرنسية يعتبرون أن العمل الصحفى يعبر فى النهاية عن لوحة ثقافية ومعرفية تصنع وعى الناس وتساهم فى تشكيل الوجدان الذى يساعد البشر بالعقل والروح على المشاركة فى دفع المجتمعات، بكل هذه النظرة الفلسفية الأكثر عمقًا ينظر الفرنسيون إلى الصحافة، وبهذه القيم تعمل وكالة الأنباء الفرنسية التى تنافس بقوة الوكالات البريطانية والأمريكية فى سوق الإعلام فى الشرق الأوسط.
لا أريد ان أحشرك حشرًا فى تفاصيل الساعات الطويلة التى قضيتها فى الوكالة الفرنسية، لكن أهم ما يمكننى أن أبشرك به أمران اثنان، الأول أن «اليوم السابع» تستعد لإطلاق خدمة الفيديو على موقعها الإلكترونى بمساعدة وكالة الأنباء الفرنسية وعبر دعم هائل من الناحية المعرفية يمكن أن يقدمه خبراء هذه الوكالة العريقة لـ«اليوم السابع»، وخدمة البث بالفيديو فى «اليوم السابع» لا يمكن مقارنتها مع ما نقدمه نحن الآن من بعض اللقطات المصورة مع الأخبار على الموقع، لا، الأمر هنا يختلف تمامًا إذ إننا نستعد لإطلاق خدمة تليفزيونية متكاملة أقرب إلى محطة أخبار مصورة تبث من مختلف محافظات مصر تقارير وحوارات فى سياق متكامل ومنظم، ويستعد «اليوم السابع» لهذه الخدمة من الآن لإطلاقها خلال عدة أشهر بعد أن تطمئن قلوبنا لنجاح خدمة الراديو الذى بدأ بثه التجريبى قبل أيام، وسيشهد قراء «اليوم السابع» ميلاده الرسمى فى الثالث والعشرين من يوليو المقبل متزامنا مع ذكرى ثورة يوليو المجيدة.
ثم أخيرًا إطلاق محطة بث إخبارية متكاملة على شبكة الإنترنت بالاستناد إلى نموذجين ومرجعيتين، الأول فرنسى ممثلًا فى وكالة الأنباء الفرنسية التى بدأت هذه الخدمة حديثاً، والثانى بخبرات أمريكية وبريطانية ممثلة فى وكالة الأسوشيتد برس الأكثر عراقة فى مجال تقديم خدمات الفيديو.
لهذه الأسباب تنقلت بين باريس ولندن الأسبوع الماضى فى زيارات خاطفة لأهم غرف الأخبار فى العالم حتى نبنى خبراتنا على ما توصلت إليه الصحافة العالمية فى هذا الميدان، وكانت البداية بالنموذج المعرفى الفرنسى إذ بدأت وكالة الأنباء الفرنسية فى نقل الخبرات فى مجال الفيديو إلى عدد من الصحف فى مصر والشرق الأوسط وكانت «اليوم السابع» من أولى الصحف التى اهتمت الوكالة بإطلاعها على هذه الخبرات لتقدير الفرنسيين لما حققه الموقع الإلكترونى لـ«اليوم السابع» من ناحية عدد الزوار والمصداقية ومعدلات الدخول على الموقع يوميًا الأمر الذى يساعد ويشجع على تقديم خدمات جديدة فى ميادين مختلفة بالصوت والصورة.
كانت الزيارة للوكالة الفرنسية والالتقاء بأطقمها التحريرية فى مجال الفيديو تكشف عن مساحة الاهتمام بهذه التقنيات فى وسائل الإعلام الغربية، ومدى الإيمان بالتحول نحو الصحافة الإلكترونية والعمل على تقديم خدمة متكاملة على شاشتى الكمبيوتر والموبايل، وتعتمد التطورات المهنية فى الغرب حاليًا على استخدام هاتين الشاشتين فى تقديم المواد الإعلامية الأكثر جاذبية لتكون هذه الخدمة منافسًا قويًا أمام الصحافة المطبوعة والتليفزيون فى المستقبل.
وجنبا إلى جنب مع التطور الذى تعمل عليه وكالة الأنباء الفرنسية التى أنشأت قسمًا خاصًا للتقارير المصورة للمواقع الصحفية الإلكترونية، فهذا التصور يزداد دعمًا وتأثيرًا بالنسبة لـ«اليوم السابع» حيث تدخل وكالة أسوشيتد برس على خط تقديم الخدمات الإخبارية والمساعدات التدريبية إلى محررى «اليوم السابع» وهو ما كان محور لقاءات موسعة مع قيادات أسوشيتد برس خلال الزيارة إلى مقر الوكالة فى لندن.
فى الأسوشيتد برس يبدو الأمر من ناحية تقنيات الفيديو أكثر اختلافًا عن الوكالة الفرنسية، ففى فرنسا تعطى الوكالة الفرنسية أهمية قصوى للخبر المكتوب نظرًا لطبيعة احتياجات عملائها على مستوى العالم، أما بالنسبة لوكالة الأسوشيتد برس فإنها فى الوقت الذى لا ينقطع فيه اهتمامها بالخبر المكتوب فإنها تعد الوكالة الأكثر تطورًا فيما يتعلق بخدمة الأخبار المصورة، وهى الخدمة التى يعتمد عليها منذ سنوات ممتدة عدد كبير من التليفزيونات العربية سواء فى مصر أو بلدان الخليج أو شمال أفريقيا، وقد ساهمت هذه الوكالة فى نجاح عدد كبير من القنوات الإخبارية فى الخليج العربى بما تقدمه من مساعدات هائلة فى مجال نقل الأخبار بالصورة من أكثر المواقع سخونة فى العالم.
وفى حين يقع المركز الرئيسى للوكالة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن لندن تنفرد بالمركز الأساسى لخدمات الفيديو لكل بلدان العالم نظرًا لموقعها المتوسط الذى يؤهلها لبث الصور عبر الأقمار الصناعية فى شرق وغرب الكرة الأرضية. وخدمات الفيديو فى الأسوشيتد برس لها مذاق مختلف إذ لا تعتمد الوكالة على بث الأخبار العاجلة فقط لكنها تنفرد بالقصص المنوعة والتقارير الطبية والصحية وموضوعات الفن والتسلية بما تملكه من شبكة تمتد عبر عدد هائل من البلدان وعبر نخبة من أكثر المحررين والمراسلين المدربين على نقل الأخبار بالكتابة والصوت والصورة، وهى الخبرات التى تسعى «اليوم السابع» كذلك إلى نقلها من وكالة الأسوشيتد برس خلال الفترة المقبلة من خلال تدريب فريق من المحررين فى «اليوم السابع» داخل وكالة الأسوشيتد برس وهو ما سنبدأ فى تطبيقه قريبًا مع بدء خدمة الفيديو.
الحقيقة أن الوضع يبدو مختلفا كثيرًا فى صحيفة اللوموند، فالصحيفة التى تحظى باحترام دوائر صنع القرار فى فرنسا وأوروبا والعالم لاتزال تخطو خطوات مترددة فى مجال الصحافة الإلكترونية ويعترف المسؤولون فى اللوموند بأن زملاءهم فى صحيفة لوفيجارو اليومية الفرنسية أكثر تطورا وسبقا فيما يتعلق بالصحافة الإلكترونية، ويعتبرون أن موقع لوفيجارو هو الأكبر والأشهر وأنهم لم يستطيعوا بعد- رغم ما يقومون به من جهد مهنى وتبنى للتكنولوجيا- أن ينافسوا على هذا الصعيد، ربما بدا لى ذلك مفهومًا مع الطبيعة النخبوية التى تصنع من خلالها لوموند وجبتها الإخبارية فلا تزال القواعد الكلاسيكية هى التى تحكم دورة العمل الإخبارى فى اللوموند، ولاتزال من الصحف الكبرى القليلة التى لم تعمل بنظام غرفة الأخبار المفتوحة التى تضم كل المحررين فى مكان واحد، فأقسام اللوموند تعمل بشكل منفصل وفى غرف مغلقة ويجمعها نظام عمل كلاسيكى يعد من التقاليد الأساسية للصحيفة منذ نشأتها.
اللوموند هنا تبدو متأخرة بالطبع عن زميلاتها فى فرنسا، ومتأخرة كثيرًا عما يجرى فى إنجلترا القريبة إذ تتنافس الجارديان والتايمز والإندبندنت على الصحافة الإلكترونية إلى الحد الذى يبشر به الإنجليز بنهاية الصحافة المطبوعة قريباً.
على أننى، ورغم إيمانى المطلق بأن شاشتى الكمبيوتر والموبايل، سيرثان الأرض إعلاميًا بكل تأكيد، إلا أن بعض ما سمعته فى اللوموند له وجاهة كبيرة، فخبراء هذه الصحيفة العريقة يعتبرون أنه لا يمكن لوسيط إعلامى أن يقضى نهائيًا على وسيط آخر، بمعنى أن الصحافة الورقية فى حال طورت نفسها وفق تقنيات عصرية، وطورت من الأداء المهنى خاصة للصفحات الأولى الإخبارية يمكنها أن تحافظ على وجودها بعد طوفان الصحافة الإلكترونية، ويؤمن حكماء اللوموند بأن الصحف الورقية الأكثر تطورا فى الطباعة والألوان والمواد الإخبارية المعمقة والصحافة الاستقصائية الرشيدة هى الصحف التى يمكن أن تعيش بعد أن تحكم الصحافة الإلكترونية العالم، ومن ثم فإنهم يأملون لأنفسهم فى المستقبل فرصة للوجود باعتبار أن تقاليدهم الكلاسيكية يمكن أن تؤهلهم لمكانة من هذا النوع فى السوق الفرنسية وعلى صعيد العالم.
لا شىء يمكن أن يلهم خيالًا صحفيًا أكثر من حوارات من هذا النوع وبهذا المستوى حول مستقبل المهنة، فما بين ثورة الصحافة الإلكترونية التى يشهدها عالم الإنترنت، وبين الأفكار التى تنقل تقنيات البث للراديو والتليفزيون على شاشتى الكمبيوتر والموبايل، تأتى أيضًا الأصوات التى تؤمن أن كلاسيكيات هذه المهنة ستبقى حية لفترة طويلة، وربما، وبهذه الروح أيضاً، تقطع «اليوم السابع» خطوات واسعة على صعيد تطوير خدماتها فى الصحافة الإلكترونية جنبًا إلى جنب مع استعدادها لنقلة أخرى فى الإعداد للإصدار اليومى، هل ترى أننا متواكبون مع كل ما يجرى فى العالم؟
ربما، لكن الأهم من كل هذا التطور التكنولوجى هو القيمة الأكبر والأهم فى صناعة الصحافة، وهى الأخلاق والمصداقية، فالصحف الكبرى فى الغرب لا تبنى مجدها على التكنولوجيا وحدها لكن على القيم الأساسية من الصدق والرقى فى التعامل مع مصادر الأخبار، فلا يمكن لصحيفة أن تساهم فى مسيرة تطوير أو تحديث إلا إذا كانت مؤسسة على الاحترام والمصداقية، القيمة الأكبر التى أنتفع بها أنا شخصيًا كلما عشت فى غرف الأخبار فى الصحافة العالمية هى شرف هذه المهنة ورقيها، الحق ومن بعده لا شىء، ومن غير هذا فإن التكنولوجيا تبقى بلا نفع، وشاشات الكمبيوتر والطابعات العملاقة تظل بلا جدوى، القيم المهنية الصحفية هى العمود الفقرى الذى صنع الديمقراطية فى الغرب وصنع التطور فى بلدان أوروبا، أما الكذب والخداع والتراشق بالاتهامات فلا تصنع إعلامًا حقيقياً، ولا تساهم فى نهضة الأمة بل فى تضليل الناس وخداع القراء باللعب على العواطف الدينية والعرقية والسياسية.
أخيرًا لا يفوتنى أن أؤكد لك أننى عشت أجمل طقس يمكن أن تشهده أوروبا هذا الصيف، فنسمات باريس كانت دافئة إلى الحد الذى يقترب من هواء الإسكندرية فى يوليو، أما فى لندن فالنعيم هو الشمس التى تسكن الآن كل الشوارع والبيوت والنوافذ والقلوب، الدفء فى لندن ناعم إلى الحد الذى يغريك بأن تنسى تذاكر الطائرة فى الفندق، أو تنسى نفسك بين وجوه الناس فى بيكادللى، لكن العودة حتمية طوعًا وشوقاً، فلا شىء أروع من أن تحلم لبلادك ما تطالعه عيناك من قفزات بين أمم الأرض.
مصر و«اليوم السابع» من وراء القصد.
ورشة مشتركة بين «اليوم السابع» والوكالة الفرنسية لتنفيذ برامج التطوير لخدمات الفيديو
نظام متكامل لتدفق الأخبار فى مقر الوكالة الفرنسية
غرفة الأخبار الأكثر حداثة لنقل الصوت والصورة والخبر فى الأسوشيتدبرس وهى التجربة التى تسعى «اليوم السابع» للاستفادة منها فى صالة التحرير فى القاهرة
..وداخل صحيفة اللوموند مع خبير الشؤون الدولية والعربية فى الصحيفة
خالد صلاح داخل القسم الرياضى للأسوشيتد برس ومتابعة لتغطيات كأس العالم
شاشات المتابعة العملاقة داخل الأسوشيتد برس فى لندن
خالد صلاح
من باريس ولندن
7 أيام فى قلاع الصحافة العالمية داخل غرف أخبار الوكالات
الثلاثاء، 13 يوليو 2010 01:14 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة