مشكلة فردية.. شائعات، مبالغة.. ثلاثة مصطلحات تسمعها يوميا فى كل قضية أو كارثة، والمقصود هو تقليل حجم وشكل المشكلة، واختصارها إلى ما يشبه لعب العيال، مع أن كل كارثة وكل فساد، لابد أنه يبدأ بشكل فردى، وأضراره جماعية.
نقول هذا بمناسبة تصريحات الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية، التى قال فيها إن أزمة جناحى العدالة من المحامين والقضاة مشكلة فردية، تحولت إلى قضية رأى عام بسبب عدم تدخل الحكماء من الطرفين. ونحن نعرف طبعا أن كل أزمة أو مشكلة فى الدنيا هى فى النهاية مشكلة فردية، ونعرف أيضا أن مشكلة فردية مع مشكلة فردية تصنع مشاكل جماعية، وأن كل قضايا الفساد التى رأيناها خلال ربع القرن الأخير، كانت كلها فردية من تجارة الأراضى إلى تجارة الآثار ومن صخرة الدويقة إلى انقلاب القطار.. وفى كل أزمة الحكماء عادة لايتدخلون ولايظهرون، وربما شاركوا فى الأزمة واقتسموا الغنيمة.
ولانعرف أين يقيم هؤلاء الحكماء، الذين يجب عليهم أن يتدخلوا. ثم إن كل قضية رأى عام خلال الشهور الأخيرة، كانت فى الأساس مشكلة فردية بين فرد أو فردين، تطورت لتصبح أزمة كبيرة، بعضها انتقل إلى ساحات القضاء، ولايزال يتفاعل وينتشر ويتوغل.
لقد كانت مشكلة المحامين فردية، لكنها تحولت إلى حرب وأحكام وإضرابات وتهديدات.. ومثلها كانت الأزمة بين أحمد شوبير ومرتضى منصور فردية بين اثنين، لكنها اتسعت لتصل إلى الفضائيات، والسيديهات، والمحاكم، وأثرت على القنوات الفضائية التى كان يعمل بها شوبير، وتسببت فى فسخ عقود، وأدت إلى خسائر وأرباح ولا تزال مستمرة.
خذ عندك أيضا أزمة العمال مع الشركات المتخصخصة، مثل أمنسيتو وغيرها، كلها كانت مشاكل فردية تسبب فيها وزير باع بلا قواعد، ومستثمر اشترى بلا استثمار، وانتهى الأمر إلى عمال على الرصيف، ومظاهرات ومصادمات ولايزال المشهد مستمرا.
قضية الخصخصة نفسها، مشاكل فردية، فالذين باعوا والذين اشتروا أفراد لكن الذين خسروا هم قطاع واسع من العمال والمواطنين الذين هم ملاك للثروة المباعة. وبالمصادفة فإن الحكماء لم يتدخلوا، ولا نزال نسمع عن سمسرة ضخمة حصل عليها المخصخصون وهم أفراد بالتأكيد، وحدث هذا أمام أفراد فى البرلمان، وأفراد فى الحزب، وأفراد فى الأجهزة الرقابية والسيادية فماذا حدث ؟. لم يتدخل الحكماء، الذين ربما كان بعضهم مشغولا بالحصول على نصيبه من الخصخصة.
وإذا انتقلنا إلى تزييف الانتخابات مثلا، سنجد أنها كما يقول الحزب الوطنى والحكومة مشكلة فردية، لكن هؤلاء الأفراد بالمصادفة ينتمون للحزب الحاكم وحده دون غيره، وهم يزورون انتخابات الشورى تحت سمع وبصر حكماء الحزب الذين يوظفون كل حكمتهم فى دعم البعد التزويرى للانتخابات، ثم يتحدثون عن الشعبية الكاسحة والمكتسحة. ولاننسى الجدل المستمر من سنوات حول الانتخابات، وهل هى بالقائمة أم بالنظام الفردى. تزوير الانتخابات يقوم به أفراد ليدخلوا أفرادا إلى مجلس الشعب، ينتجون تشريعات فردية تحكم حياة الناس، أو تنتهى بكارثة أو على الأقل خسارة بالملايين.
مشكلة المحسوبية أو استغلال النفوذ أنها جميعا فردية، يقوم بها أفراد من داخل الحكومة أو الحزب الوطنى. وكل الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية، ومنحوا الأراضى أو سقعوها أفراد، والذين يقلبون القطارات ويبوّرون الأراضى الزراعية كلهم أفراد.. وبعضهم حكماء ساهموا فى صناعة الفساد، ورعايته فرديا وبالقائمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة